يريد : حتى بلغتك ، فإن ذكرت الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين فحق هذا الباب إذا جئت بالمتصل أن تبتدأ بالأقرب قبل الأبعد وأعني بالأقرب المتكلم قبل المخاطب والمخاطب
__________________
(١) هذا قول حميد الأرقط :
إليك حتّى بلغت إيّاكا
وقال الآخر ، لبعض اللصوص :
كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا
أنتهى.
قال الأعلم : الشاهد في وضع إيانا موضع الضمير المتصل في نقتلنا ، وفي وضع إياك موضع الكاف ضرورة.
وقال الزجاج : أراد بلغتك إياك ، فحذف الكاف ضرورة. وهذا التقدير ليس بشيء ، لأنه حذف المؤكد وترك التوكيد مؤكدا لغير موجود ، فلم يخرج من الضرورة إلا إلى أقبح منها. والمعنى : سارت هذه الناقة إليك حتى بلغتك. انتهى.
وقبله :
أتتك عنس تقطع الأراكا
والعنس ، بسكون النون : الناقة الشديدة ، أي : تقطع الأراضي التي هي منابت للأراك.
وكان حق الكلام في البيت الشاهد أن يقول نقتل أنفسنا ، لأن الفعل لا يتعدى فاعله إلى ضميره ، إلا أن يكون من أفعال القلوب ، لا تقول : ضربتني ، ولا أضربني ، ولا ضربتك بفتح التاء ، ولا زيد ضربه على إعادة الضمير إلى زيد ، ولكن تقول : ضربت نفسي ، وضربت نفسك ، وزيد ضرب نفسه.
وإنما تجنبوا تعدي الفعل إلى ضمير فاعله كراهة أن يكون الفاعل مفعولا في اللفظ ، فاستعملوا في موضع الضمير النفس ، نزلوها منزلة الأجنبي ، واستجازوا ذلك في أفعال العلم والظن الداخلة على جملة الابتداء فقالوا : حسبتني في الدار ، ولم يأت هذا في غير هذا الباب إلا في فعلين قالوا : عدمتني وفقدتني.
ولما لم يمكن هذا الشاعر أن يقول : نقتل أنفسنا ولا نقتلنا ، وضع إيانا موضع نا ، وحسن ذلك قليلا أن استعمال المتصل هاهنا قبيح أيضا ، وأن الضمير المنفصل أشبه بالظاهر ، المتصل ، فإيانا أشبه بأنفسنا من نا.
ولكن أقبح منه قول حميد :
إليك حتّى بلغت إيّاكا
لأن اتصال الكاف ببلغت حسن. انظر خزانة الأدب ٢ / ٢٠٢.