ذكر ما يكون المنصوب فيه في اللفظ غير المرفوع والمنصوب بعض المرفوع وهو المستثنى
المستثنى يشبه المفعول إذا أتى به بعد استغناء الفعل بالفاعل وبعد تمام الكلام.
تقول : جاءني القوم إلا زيدا فجاءني القوم : كلام تام وهو فعل وفاعل فلو جاز أن تذكر (زيدا) بعد هذا الكلام بغير حرف الاستثناء ما كان إلا نصبا.
لكن لا معنى لذلك إلا بتوسط شيء آخر فلما توسطت (إلا) حدث معنى الاستثناء ووصل الفعل إلى ما بعد إلا فالمستثنى بعض المستثنى منهم ألا ترى أن زيدا من القوم فهو بعضهم فتقول على ذلك : ضربت القوم إلا زيدا ومررت بالقوم إلا زيدا فكأنك قلت في جميع ذلك : أستثني زيدا فكل ما أستثنيه (بإلا) بعد كلام موجب فهو منصوب وألا تخرج الثاني مما دخل فيه الأول فهي تشبه حرف النفي فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا فالمعنى : قام القوم لا زيد إلا أن الفرق بين الاستثناء والعطف أن الاستثناء لا يكون إلا بعضا من كلّ والمعطوف يكون غير الأول ويجوز أيضا في المعطوف أن تعطف على واحد نحو قولك : قام زيد لا عمرو ولا يجوز أن تقول في الاستثناء : قام زيد إلا عمرو.
لا يكون المستثنى إلا بعضا من كل وشيئا من أشياء و (لا) إنما تأتي لتنفي عن الثاني ما وجب للأول و (إلا) تخرج الثاني مما دخل فيه الأول موجبا كان أو منفيا ومعناها الاستثناء والاسم المستثنى منه مع ما تستثنيه منه بمنزلة اسم مضاف ألا ترى أنك إذا قلت : جاءني قومك إلا قليلا منهم فهو بمنزلة قولك : جاءني أكثر قومك فكأنه اسم مضاف لا يتم إلا بالإضافة ، فإن فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعدها لأنك إنما تنصب المستثنى إذا كان اسما من الأسماء وهو بعضها فأما إذا فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيما بعد إلا وزال ما كنت تستثني منه ، وذلك نحو قولك : ما قام إلا زيد وما قعد إلا بكر فزيد مرتفع بقام وبكر مرتفع بقعد وكذلك : ما ضربت إلا زيدا وما مررت إلا بعمرو ولما فرغت الفعل لما بعد إلا عمل فيه.
فإذا قلت : ما قام أحد إلا زيد فإنما رفعت لأنك قدرت إبدال زيد من (أحد).