باب الظرف الذي يتمكن وهو الخامس من المبنيات
وذلك نحو الآن ومذ ومنذ فأما الآن فقال أبو العباس رحمه الله : إنما بني ؛ لأنه وقع معرفة وهو مما وقعت معرفته قبل نكرته لأنك إذا قلت : الآن فإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان فليس له ما يشركه ليس هو آن وآن فتدخل عليه الألف واللام للمعرفة وإنما وقع معرفة لما أنت فيه من الوقت.
وأما (منذ) فإذا استعملت اسما أن يقع ما بعدها مرفوع أو جملة نحو : ما رأيته منذ يومان ، وإن المعنى : بيني وبين رؤيته يومان وقد فسرت ذلك فيما تقدم وهي مبنية على الضم وإنما حركت لذلك ؛ لأن قبلها ساكنا وبنيت على الضم لأنها غاية عند سيبويه واتبعوا الضّم الضّم وقد يستعمل حرفا يجر ، وأما (مذ) فمحذوفة من (منذ) والأغلب على (مذ) أن تستعمل اسما ولو سميت إنسانا بمذ لقلت منيذ إذا صغرته فرددت ما ذهب وصار (مذ) أغلب على الأسماء لأنها منقوصة ولدن ومن عل.
كما قال الشاعر :
وهي تنوش الحوض نوشا من علا (١)
__________________
(١) قال الأعلم : وصف إبلا وردت الماء في فلاة من الأرض ، فعافته ، وتناولته من أعلاه ، ولم تمعن في شربه. انتهى.
وقال الجواليقي في شرح أبيات أدب الكاتب : يصف إبلا تشرب من ماء الحوض ، وتتناول ما فيه من الماء تناولا من فوق ، تقطع به أرضا بعيدة ، وتستغني به عن المبالغة فيه. والأجواز : جمع جوز بفتح الجيم ، وهو الوسط.
وقال ابن السيد في شحر أبياته أيضا : لا أعلم هذا الرجز لمن هو؟ يصف ناقة شربت الماء من الحوض. وقد يمكن أن يصف أبلا ، ويريد بقوله : به تقطع أجواز الفلا أنهم كانوا إذا حاولوا سفرا سقوا إبلهم الماء على نحو ما يقدرونه من بعد المسافة وقربها ، وكانوا يجعلون أظماء إبلهم ثلثا وربعا وخمسا إلى العشر ، والعشر نهاية الأظماء.
وكانوا ربما احتاجوا في الفلاة إلى الماء ولا ماء عندهم ، فينحرون الإبل ، ويستخرجون ما في أجوافها من الماء ويشربونه. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٠٣.