فكان أمر الله تعالى لآدم عليهالسلام بسكنى الجنان والأكل الرغد ونفوذ المشيئة من باب الإعلام والتّأنيس بالبشارات بأنه لا يجوع فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ ولا يضحى (١) ، وكان نهيه له على جهة الإرشاد المتقدّم ذكره ، أو التّحذير ممّا تؤول إليه عقباه إن فعل ما نهي عن فعله في خروجه عن الجنّة وشقائه في الدّنيا ، والإعلام بمكيدة الشيطان ، والتحفظ منه ، وكونه عدوا حاسدا له.
وهذا معلوم في اللّسان ، وما جرت به العادات ، وقد أمر الله تعالى إبليس بقوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ) [الإسراء : ١٧ / ٦٤] فهذه أوامر على جهة الوعيد له والتّهديد ، كقوله تعالى للكفرة : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤١ / ٤٠] وليست بتكليف ، إذ لو كانت على جهة التّكليف بفعلها لكان وقوعها منه طاعة (٢) ، وهو عاص في هذه الأفعال إجماعا.
وقد أمر الله موسى عليهالسلام بأخذ الحيّة ونهاه عن الخوف منها حيث قال له : (خُذْها وَلا تَخَفْ) [طه : ٢٠ / ٢١] والخوف أمر ضروري فلا يقع الأمر به جزما.
فكان الأمر له على جهة التّأنيس والإعلام بأنّها لا تؤذيه إذا أخذها. وكان مكلّفا إذ ذاك ولم يكن ذلك الأمر والنّهي له مشروعين. وكذلك قوله تعالى : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) [القصص : ٢٨ / ٣٢] ، وقوله تعالى لأمّ موسى : (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) [القصص : ٢٨ / ٧].
__________________
(١) في كلام المؤلّف ـ رحمهالله ـ إشارة إلى آيات في سورة طه ، قال تعالى : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى ، إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ، وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [طه : ١١٧ ـ ١١٩]. قال القرطبي ١١ / ٢٥٣ : «أعلمه أن له في الجنّة هذا كلّه : الكسوة والطعام والشراب والمسكن ، وأنك إن ضيّعت الوصيّة وأطعت العدوّ أخرجكما من الجنة فشقيت تعبا ونصبا».
(٢) قول المؤلّف ـ رحمهالله ـ «لكان وقوعها منه طاعة» أي : من الكافر.