ثم قال تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٧].
علّل الله ـ عزّ وجل ـ هذا التزويج ليعلم النّاس أنّ من تبنّى أحدا ثمّ تزوّج امرأته من بعده فلا حرج عليه ، فإنّ من تبنّاه ليس كابنه الّذي لصلبه.
قال تعالى في تحريم أزواج الأبناء للصّلب : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : ٤١ / ٣٣] ، وقال : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) [الأحزاب : ٣٣ / ٤]. فرفع الله الحرج بهاتين الآيتين في التبني ، ثم قال تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
(الأمر) هنا يحتمل الحقيقة والمجاز ، فإن كان الله أمره بتزويجها فيكون : (وكان المأمور به مفعولا) أي : واقعا في معلوم الله تعالى ، ويسمى المأمور به (أمرا) لمناسبة بين الآمر والمأمور ، فإنّ الأمر من الله تعالى يستحيل أن يكون مفعولا لكونه يرجع لكلامه الأزليّ ، وإن كان الأمر بمعنى المراد على سبيل المجاز ، فيكون : وكأن ما أخبرك الله تعالى به من المراد واقعا ، إذ : ما أراد الله تعالى وقوعه فلا بد من وقوعه. فتأمّل ـ رحمك الله ـ هذه القصة العجيبة فإنّها تتضمّن خمس عشرة فائدة ، منها في جانب الرسول ـ عليهالسلام ـ ستّة :
إحداها : المعجزة في إخباره بالغيوب فوقعت كما أخبر عنها.
الثانية : تواضعه ـ عليهالسلام ـ أن زوّج كريمته بعبده.
الثّالثة : انقياده لأمر الله في تزويجها بعبده.
الرابعة : إثبات هذا التّزويج سنة.
الخامسة : قمع المتكبرين وإرغام أنوفهم في هذه السّنّة.
السّادسة : في الردّ على من قال بتحسين العقل وتقبيحه.