الرّابع : قلّة المراعاة لأمر الله ، وعدم التّسليم لحكمه ، إذ لو كانوا يذعنون لأحكام الله تعالى ويسلمون له لم ينكروا شيئا ممّا فعله نبيهم ـ عليهالسلام ـ.
الخامس : وهو أصل لكلّ رذيلة ، وهو مراعاة التّحسين والتّقبيح وردّهما إلى العقول القاصرة ، وما جرت به العادات ، وهو داء عضال نغلت به (١) ، قلوب الجهلة الضّالين (٢) ، ففنّدوا حكم الله تعالى واعترضوا لفعاله في خلقه. وكان أوّل من سنّ هذه الدّاهية الدّهياء إبليس ، حيث قال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [الإسراء : ١٧ / ٦١] ، و (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) [الحجر : ١٥ / ٣٣] ، و (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) [ص : ٣٨ / ٧٦] ، و (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) [الإسراء : ١٧ / ٦٢] إلى غير ذلك من أقواله السّخيفة. فانظر ـ رحمك الله ـ إلى أهل هذه المذاهب الخسيسة بمن اقتدوا فيها وعلى من عوّلوا في اقتدائهم ، (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة : ٩ / ٣٠].
ومما قيل في معنى قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ، أنه يخشى الناس أن يقولوا : كيف يحرّم علينا أزواج البنين وهو مع ذلك يتزوّج زوج ابنه؟ فلأجل (٣) هذه الأقوال كانت خشيته صلىاللهعليهوسلم على النّاس ، إذ ليس منها واحدة إلاّ وهي تحمل إلى سجّين ، فإنّها كلها معارضة لقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٥٩ / ٧].
وقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٤ / ٨٠].
__________________
(١) النّغل : الفساد ، وفي الحديث (في النهاية واللّسان) : «ربّما نظر الرجل نظرة فنغل قلبه كما ينغل الأديم في الدّباغ فيتثقّب».
(٢) وفي كلام المؤلّف ـ رحمهالله ـ ردّ على القائلين بالاحتكام إلى العقل وحده في التّحسين والتّقبيح : وهذا يعني ، بالوجوه كلّها ، إبطال الدّيانات ، وترك الرسالات وتكذيب الأنبياء ، والعياذ بالله تعالى.
(٣) يقال في المرأة : زوج ، وزوجة.