وأمّا قول الله ـ عز وجل ـ لنبيّه ـ عليهالسلام : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٧]. يعني من تزويجها الّذي أمرتك به أو أعلمتك به.
وأمّا قوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٧] ، أي تخشى من قول النّاس ، على حذف حرف الجر كأنه يقول : تخشى من النّاس أن يقولوا فيك فيأثموا ويهلكوا ، (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أي تخشى منه على النّاس وللنّاس حتى يقع مرادي فيك وفي النّاس ، إذ ليس احتياطك يغني عنهم من الله شيئا ، فلا عليك ممّن قال ولا ممّن أثم ، فأنا أعلم بما يقولون وبما أجازيهم. كما قال تعالى له : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران : ٣ / ١٢٨] ، و (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) [البقرة : ٢ / ٢٧٢] ، و (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص : ٢٨ / ٥٦] إلى غير ذلك.
وأمّا أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم يخشى النّاس من غير مراعاة لهذا القدر وما أشبهه ، فحاشا وكلاّ ، وكيف وقد قال تعالى بعد هذه الآية : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللهَ) [الأحزاب : ٣٣ / ٣٩] فقد زكّى الله تعالى أنبياءه بأنّهم أفردوه بالخشية ، فلو كان الرسول ـ عليهالسلام ـ يخشى النّاس لأجل النّاس لتناقض الخبر ، والتّناقض في خبر الله ورسوله محال.
وأمّا ما خاف أن يقوله النّاس فيهلكوا ، فهو على خمسة أوجه :
أحدها : ما جرت به عادات الجهلة المتكبّرين على الموالي فيقولون : كيف يسوغ له أن يعمد إلى كريمة من كرائمه وأقرب النّاس إليه نسبا فيزوّجها لعبده؟!.
والثاني : وهو أشدّ عليهم في الإنكار أن يقولوا : كيف رضي أن يتزوّجها بعد عبده؟!
الثالث : أن يقولوا : إنّما حمله على ذلك حبّه لها وشغفه بها.