قلنا : ومن أين لك أن تقول إنّه قالها والآية تقتضي أنّها من قول امرأة العزيز؟وذلك أنّه لمّا تأدّب معها بآداب الأحرار حيث قال لرسول الملك (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) [يوسف : ١٢ / ٥٠] ، فخلطها معهنّ وذكر فعلهنّ وأضرب عن ذكر فعلها تناصفت (١) هي وأقرّت بأنّها راودته فقالت : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي).
على أنّه لو ثبت أنّه قالها لخرجت له أحسن مخرج ، وذلك أنّه لمّا أنصفته بإقرارها وتبرئته قال هو : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) على أصل الحوار لا على نفس الوقوع ، كما قال الخليل ـ عليهالسلام ـ (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ١٤ / ٣٥] ، وهو قد أمن بالعصمة من عبادتها ، وقال تعالى لنبيّنا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ١٧ / ٨٦] ، وهو تعالى قد شاء ألاّ يذهبه ، والعصمة والنّزاهة له على كمالها.
فليت شعري إذا كان للتّأويل في هذه القصّة وأمثالها مجرى سحب (٢) ومجال للسّلامة رحب (٣) فما بالهم يضيّقون هذا الواسع لو لا الفضول؟! (٤).
__________________
(١) وقفت موقف الإنصاف.
(٢) سحب الشيء سحبا : جرّه ، وأراد بقوله : (مجرى سحب) أي يطول الجري فيه.
(٣) المجال الرّحب : الواسع.
(٤) وهو فضول منكر لا خير فيه.