ويكون الهمّ على هذا التّفسير ضروريّا ولا طلب في الضّروريّات ، وأقول إنّه إن كان همّ مكتسبا لهمّه ولم يفعل فلا لوم ولا ذنب ، بدليل الحديث المتقدّم الذي منه قوله ـ عليهالسلام (١) ـ «ومن همّ بسيّئة فلم يعملها لم تكتب شيئا» معناه : لم يكتب له صغيرة ولا كبيرة. وجاء في حديث آخر (٢) : «أنّ تارك الخطيئة من أجل الله تكتب له حسنة» ، بدليل قوله تعالى للملائكة : اكتبوها له حسنة فإنما تركها من جرّاي ، أي من أجلي. وهذا ينظر إلى قول الله تعالى : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٢٥ / ٧٠] وإذا كان هذا في حقّ الرعية ، فالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أولى بهذا التّرك لا محالة ، كيف وقد أثنى الله تعالى عليه ونزّهه بقوله عند ما قالت : (هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف : ١٢ / ٢٣] ، فهذا ممّا يدلّ على أنّه تركها من أجل الله ، وأنه مأجور في تركها.
وإذا كان هذا فلا ذنب ولا عتب يلحق يوسف ـ عليهالسلام ـ صغيرا ولا كبيرا ، بل يكون مأجورا في التّرك.
فهذه أقوال تشاكه (٣) الصّواب وتليق بالأكابر.
والأظهر : القول الأخير من هذه الأقوال لكونه معضودا بالخبر والآية ، والله أعلم.
فإن قيل : فإذا لم يتصوّر في حقّ يوسف ـ عليهالسلام ـ ذنب ولا عتب فلأيّ شيء قال بعد ما أنصفته امرأة العزيز وأقرّت بفعلها (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي) [يوسف : ١٢ / ٥٣].
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) في صحيح مسلم ١ / ١١٨ من حديث أبي هريرة رضياللهعنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قالت الملائكة : ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) ؛ فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنّما تركها من جرّاي».
(٣) أي تشابهه.