وأمّا قوله للخصم : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ففيه اعتراض من وجه آخر نتخلّص منه ونرجع إلى ما نحن بسبيله.
قالوا : كيف يكون داود ـ عليهالسلام ـ من خلف الله في أرضه ويقطع على الظّلم بقول الواحد قبل أن يسمع قول الآخر؟.
فالجواب عن هذا يتصوّر من وجهين : أحدهما : أنه سمع من الآخر حجّة لا تخلّصه ، فقال للأوّل : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) أو صدّقه الآخر في قوله ، فقال للأوّل : (لَقَدْ ظَلَمَكَ).
والثاني أن يقول : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) بإضمار «إن كان حقّا ما تقول». وهذا سائغ. وأما أن يقول له : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) من غير أن يسمع حجّة الآخر ، فهذا لا نسوّغه في حقّ عاقل منصف ، فكيف في حقّ من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب؟!.
ألا ترى موقف يعقوب ـ عليهالسلام ـ لمّا جاءه بنوه عشيّا يبكون وهم جماعة فقالوا ما قالوا ، فقال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) [يوسف : ١٢ / ١٨] ، ولم يقبل أقوالهم ولا دموعهم بغير دليل ، فكيف يقبل داود عليهالسلام قول الخصم من غير حجّة ، حتّى يقول له : (لَقَدْ ظَلَمَكَ)؟ هذا لا يصحّ في حقّه.
وأمّا قوله للخصم : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ، فعنى به : بخسك وغبنك في قول كان غيره من المباحات أولى بك منه. وحدّ الظّلم في اللّسان : وضع الشّيء في غير موضعه. وقد قدّمنا أنّ قول قائل لغيره : أكفلني زوجك ، ليس بظلم منهيّ عنه شرعا ، فلم يبق إلاّ ما ذكرناه في حقّه.
وأمّا قوله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) [ص :
__________________
(١) الخلطاء : قيل هم الأصحاب ، وقيل : الشركاء.