ولي زوجان أنزل لك عن إحداهما ، فقال له عبد الرحمن : بارك الله لك في أهلك ومالك ، أرني طريق السّوق (١).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث قوله بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم : أنزل لك عن إحداهما ، فأقرّه النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على هذا القول ولم ينكره عليه وهو لا يقرّ على منكر ، وهو المعلّم الأكبر صلوات الله عليه وتسليمه ، فلم يبق إلاّ الإباحة ، لكنّ تركها بمعنى الأولى والأحرى في كمال منصب النّبوّة كان أولى وأتمّ.
وأما قوله : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني فنزلت له عنها ، فهو غلب الحشمة لا غلب القهر ، لعظم منزلة السّائل في قلب المسئول ، ولا غلب الحسّ بالقهر المنهيّ عنه ، فإنه ظلم منهيّ عنه شرعا تتحاشى عنه الأنبياء عليهمالسلام كما تقدّم.
فإن قيل : كان داود عليهالسلام خليفة وصاحب سيف ، والمطلوب منه رعيّة ، ومن شأن الرّعيّة هيبة الملوك والمبادرة لقضاء حوائجهم لكونهم قاهرين لهم ، فيقضون حوائجهم باللّين خوفا من العنف والإكراه ، وفي سؤال داود عليهالسلام حمل على المسئول من هذا الباب.
قلنا : صحيح ما اعترضت به ، إلاّ أنّ هذا الحمل على المسئول لا يتصوّر إلاّ فيمن عهد منه الظّلم والغضب من الأمراء ، وأمّا من عهد منه العدل والإحسان كخلفاء الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان ، فلا يتصوّر ذلك في حقّهم إذا منعوا المباحات ، وإذا لم يتصوّر ذلك في حقّهم مع عدم العصمة فما ظنّك بالمعصومين المنزّهين عن الخطايا تنزيه الوجوب كما تقدّم؟ فبطل اعتراض هذه القولة في حقّ داود عليهالسلام في هذا الباب.
__________________
(١) الخبر مشهور. انظر مثلا طبقات ابن سعد ٣ / ١٢٥ وفيه : (فقال له سعد بن الربيع : هذا مالي فأنا أقاسمكه ، ولي زوجتان فأنا أنزل لك عن إحداهما فقال : بارك الله لك ، ولكن إذا أصبحت فدلوني على سوقكم ..) إلى آخر الخبر.