ويتمندلون (١) بأعراضهم على رءوس العوامّ والطّغام ، ولا مشفق على دين الله تعالى ، ولا محتاط على أغمار (٢) المقلّدة ولا زاجر ذا سلطان حتّى كأنّنا ملّة أخرى ، ولا نغار على ذمّهم ولا نرقب في أعراضهم إلاّ ولا ذمّة (٣).
وغرض هؤلاء الفسقة في سرد تلك الحكايات المورّطة قائلها وناقلها في سخط الله تعالى أن يهوّنوا الفسوق والمعاصي على بله العوامّ ، ويتسلّلوا إلى الفجور بالنّساء ، بذكرها لواذا (٤) حتى ترى المرأة تخرج من مجلس الواعظ إلى منزله ، فتسأله على التّفصيل فيزيدها أقبح ممّا أسمعها في الجمهور ، يقول لها : هذا أمر ما سلم منه عظماء المرسلين ، فكيف نحن؟!.
فلا يزال يهوّن عليها ما كان يصعب من قبل ، ف : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ٢ / ١٥٦] ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٦ / ٢٢٧].
__________________
(١) يتمندلون : هذا فعل مشتقّ من (المنديل) ، والمنديل يتّخذ عادة للابتذال والامتهان ، وفي الشّفا (١٠٩٦) : «حدّثنا الثّقة أنّ أبا بكر الشّاشيّ كان يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم فيه تعالى وفي ذكر صفاته ، إجلالا لاسمه تعالى ، ويقول : هؤلاء يتمندلون بالله عزّ وجلّ».
(٢) أغمار : جمع غمر ، وهو الّذي لم يجرّب الأمور (أصل الكلمة في الصّبيّ إذا لم يجرّب ، ثم قيلت في كلّ غرّ لم تعركه الحياة).
(٣) الإلّ : العهد ، والقرابة. والذّمّة : العهد ، قال تعالى متحدثا عن المشركين : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [التوبة : ٩ / ١٠].
(٤) يقال : لاذ بكذا لواذا ، أي لجأ إليه وعاذ به ، واستتر.