وأراذل اليهود والنّصارى ، ومقلّدة المؤرّخين والقصّاص المجازفين الجاهلين بحقيقة النّبوة ، وما يجوز على أنبياء الله تعالى ، وما يستحيل ، وما يجب على الكافة من تعزيرهم وتوقيرهم ، وتدقيق النّظر في استخراج مناقبهم على أتمّ الكمال وأعمّه ؛ فتراهم يتركون ما أوجب الله عليهم من التفقّه في آي القرآن ، من توحيد بارئهم وتنزيهه عن النّقائص ، ووصفه تعالى بما يجب له (١) من صفات الكمال والجلال ، ووصف أنبيائه بالصّدق والعصمة والتنزيه من الخطأ والخطل (٢) ، وكذلك ما جاءوا به من وظائف العبادات ، وما أخبروا به من المغيّبات ، والمواعظ بالوعد والوعيد ، والنّظر في الفرق بين الحلال والحرام والمشتبهات ، إلى غير ذلك ممّا لا تحويه الرّقوم ، ولا تحيط به ثاقبات الفهوم ، وما عسى أن أقول فيما قال الله تعالى فيه : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٣١ / ٢٧] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) [الرعد : ١٣ / ٣١] ، وقوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً) [الحشر : ٥٩ / ٢١] ، إلى غير ذلك ، فترى بهائم (٣) قد صرف الله قلوبهم ، وطبع عليها بطابع النّفاق ينكّبون (٤) عن هذه الواضحات من الحكم البالغة والبراهين الصّادعة ، ويقصدون إلى أقوال وأفعال لهم يتخيّلونها مثالب في حقّهم ، فيهلكون ويهلكون من حيث لا يشعرون.
فلنذكر الآن ما نذكر منها لكونهم يستعملون ذكرها لتحصيل أغراض لهم فاسدة ، ثم نعطف على ما بقي منها فيما بعد إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في الأصل : مما يجب ... ودقيق النظر.
(٢) الخطل : الكلام الفاسد الكثير.
(٣) شبّه هؤلاء الذين سمّاهم قبل قليل من ضعاف المؤرخين والقصاصين ومن ماثلهم بالبهائم ، وعلل هذا التشبيه في درج الكلام.
(٤) نكّب عن الطريق : عدل عنه ، والواضحات ، هي الطّرق الجادّة الواضحة المسالك ، ويقال في عكسها : بنيّات الطريق.