من انتسل من بني يعقوب عليهالسلام نبيّا ، وقد قال تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) [الأعراف : ٧ / ١٦٨] ، وقال تعالى : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) [الصافات : ٣٧ / ١١٣] ، وقال : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) [الأعراف : ٧ / ١٦٠] ، فسمّاهم أسباطا وأمما ، ولم يسمّهم أولادا ولا أبناء.
فإن قيل : فقد جاء عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال (١) : «الحسين سبط من الأسباط» ، فمعناه أنه يقوم في العبادة ، والقيام بحقّ الله تعالى مقام سبط كما قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [النحل : ١٦ / ١٢٠] وقال عليهالسلام في قس (٢) : «إنّي لأرجو أن يحشر أمّة وحده» هكذا حكاه الهروي في كتاب (الغريبين).
فإن قيل : ولعلّهم سمّوا أسباطا ـ وهم أولاد ـ تجوّزا واتّساعا كما سمّى النبي صلىاللهعليهوسلم : الحسين سبطا حيث قال : «الحسين سبط من الأسباط» وهو ولد.
قلنا : هذا التجوّز إنما صحّ في الحسين رضياللهعنه لسبق المعرفة ببنوّته من وجه آخر ، فلو أخبر تعالى أن يهوذا سبط من الأسباط ثم عدده في جملة الأنبياء بلفظ السّبط لصحّت نبوّته ، وهذا لم يقع فلا حجّة للخصم في هذه القولة ، ولو صحّ لما صحّت نبوته إلاّ بعد التّوبة والإنابة واشتراط العصمة في حال الوهلات كما زعم الخصم.
وأمّا غير هؤلاء من أهل النّظر فتوهّموا نبوّتهم من قوله تعالى مخبرا عن يعقوب عليهالسلام حيث قال : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) [يوسف : ١٢ / ٦].
__________________
(١) الحديث في النهاية في غريب الحديث ٢ / ٣٣٤.
(٢) جاء في الأغاني ١٥ / ١٩٢ في ترجمة قسّ بن ساعدة أنّه : «أوّل من قال في كلامه : أمّا بعد ، وأوّل من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا ، وأدركه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل النبوّة ، ورآه بعكاظ فكان يأثر عنه كلاما سمعه منه ، وسئل عنه فقال : يحشر أمّة وحده».