والحقّ من هذه المذاهب ، ثاني قولي أبي علي ، لأنك تقول أقلّ من يقول ذلك إلا زيد ، وقلّ من يقول ذلك إلا زيد ، و «من» نكرة ، لا بدّ لها من وصف ، وأقلّ رجل يقول ، بمعنى : أقلّ من يقول ، فالجملة ، إذن ، وصف للنكرة ، كما كانت وصفا لمن ؛
ولا يجوز إبدال زيد من لفظ المضاف إليه في : أقل رجل .. ، لأن «أقلّ» يكون ، إذن ، في التقدير مضافا إلى ذلك البدل الذي هو مثبت (١) ، وهو لا يضاف إلا إلى ما نفي الحكم عنه ؛
ولا يجوز ، أيضا ، إبداله من لفظ «أقل» ، إذ لو أبدلت منه طرحته من التفسير فيبقى قولك : يقول ذلك إلا زيد ، ولا يصح (٢) ؛ فالمرفوع بعد «إلا» في هذا المقام ، معرفة كان أو نكرة ، بدل من المضاف إليه أقلّ على المعنى المؤوّل به الكلام ، إذ التقدير : ما رجل يقول ذلك إلا زيد ، أي : ما يقول ذلك إلا زيد ؛
وينبغي أن يكون تأويل النفي ظاهرا ، ومن ثمّ ردّ على الزجاج في تجويز الرفع في «قوم يونس» في قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) الآية (٣) ، فجعل التحضيض كالنفي ؛
وقد تجري لفظة «أبى» وما تصرف منها مجرى النفي ، قال تعالى : (فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)(٤) ، و: (يَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ)(٥) ، والمفرغ لا يجيئ في الموجب إلا نادرا ، فعلى هذا ، يجوز نحو : أبى القوم أن يأتوني إلا زيد ، إذ حيث يجوز المفرغ يجوز الإبدال ؛
وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر ، كما جاء في الشواذ : «فشربوا منه إلا قليل منهم (٦)» ، أي لم يطيعوه إلا قليل منهم ؛ ولا يجوز : مات الناس إلا زيد ، أي لم
__________________
(١) لأن النفي أبطل بالّا ،
(٢) لأن ذلك يؤدي إلى التفريغ في الإيجاب ؛
(٣) الآية ٩٨ من سورة يونس وتكررت
(٤) الآية ٨٩ سورة الاسراء
(٥) الآية ٣٢ سورة التوبة ،
(٦) الآية ٢٤٩ من سورة البقرة ، وهي قراءة الأعمش ، وأبيّ بن كعب ؛