وكذا قوله تعالى : (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (١) ، اليوم خبر المبتدأ ، [وقوله : من أمر الله ، خبر مبتدأ محذوف ، أي : العصمة المنفية من أمر الله ؛ وهذه الجملة التبيينية لا محل لها ، كما قلنا في سقيا لك ، ان التقدير : هو لك ، وإنما لم يكن للجملة المبينة محل ، لأنها مستأنفة لفظا ،](٢) أو قوله : من أمر الله متعلق بما دلّ عليه : لا عاصم ، أي : لا يعصم من أمر الله ؛
فلا تظنّن أن مثل هذا الجار والمجرور متعلق بالمنفي ، وإن أوهمت ذلك في الظاهر ، بل مثله متعلق بمحذوف ، وكل مصدر يتعدى بحرف من حروف الجر ، يجوز جعل ذلك الجارّ خبرا عن ذلك المصدر ، مثبتا كان أو منفيا ، كما تقول : الاتكال عليك ، وإليك المصير ، ومنك الخوف ، وبك الاستعانة ، وما عليك المعوّل ، وليس بك الالتجاء ، ومنه : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ، وذلك لأن الخبر المقدّر ههنا ، أعني ما يتعلق به الجار ، فيه معنى المبتدأ لتضمنه خبره ؛ ولا يجوز مثل ذلك في اسم الفاعل ، فلا تقول : بك مارّ ، على أن «بك» خبر عن «مارّ» ؛
فلذا قدّرنا مدلول «لا عاصم» لقوله (٣) «من أمر الله» ؛
وتقول : لا مصلّيا في الجامع ، إذا نفيت في الوجود من يوقع صلاته في الجامع ، أي : ليس في الوجود من يصليّ في الجامع ، ويجوز أن يكون مستقرا في الجامع من يصليّ في غيره ، وإذا قلت : لا مصلّي في الجامع ، فالمعنى : ليس في الجامع مصلّ ، سواء صليّ في الجامع أو في غيره ؛
هذا وحكى أبو عليّ عن البغداديّين أنهم يجوّزون كون الظرف والجار في : لا آمر
__________________
(١) الآية ٤٣ سورة هود ، وتقدمت
(٢) جاءت العبارة التي بين القوسين في النسخة المطبوعة وجاء بعدها عبارة وقوله من أمر الله ، وهي ليست في بعض النسخ كما في تعليقات الجرجاني ، وكان إصلاح «وقوله» إلى «أو قوله» مفيدا ، ليكون وجها آخر ؛
(٣) أي ليتعلق به الجار والمجرور وهو : من أمر الله ،