بكر محمّد بن عبد الرّحمن (١) الشّقّاق يقول : سمعت أبا سعيد الخرّاز يقول : بقيت إحدى عشرة سنة أتردّد من مكة إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكة ؛ أريد أحجّ حجّة ، لا أرى مكة وأرى ربّ مكة ، فما صحّ لي منه يقين ، فلما كان بعد إحدى عشرة سنة ، [و](٢) أنا راجع من المدينة إلى مكة تراءى لي بعض الجنّ فقال لي : يا أبا سعيد قد والله رحمتك من كثرة تردادك في هذا الموضع ، وقد حضرني فيك أبيات فاسمع ، قلت : هات ، فأنشأ يقول :
أتيه فلا أدري من التيه من أنا |
|
سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي |
أتيه على جنّ البلاد وإنسها |
|
وإن لم أجد خلقا أتيه على نفسي |
قال أبو سعيد : فقلت له : اسمع يا من لا يحسن يقول ، إن كنت تحسن تسمع وقلت :
أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده |
|
ويفرح بالتيه الدّنيّ وبالأنس |
فلو كنت من أهل الدنوّ لغبت عن |
|
مباشرة الأملاك والعرش والكرسي |
وكنت بلا حال مع الله واقفا |
|
تصان عن التذكار للجنّ والإنس |
فاسمع صفاتي في الوجود فإنني |
|
إذا غبت عن نفسي كغيبوبة الشمس |
وقامت صفاتي للمليك بأسرها |
|
وغابت صفاتي حين غبت عن الحسّ |
وغاب الذي من أجله كان غيبتي |
|
فذاك فنائي فافهموا يا بني جنسي |
فهذا وجودي في المغيب بحاله |
|
أقرّ به حتى يواري الثرى رمسي |
ولست أبالي بعد موتي بصرعتي |
|
ولو صيّر المحبوب دار الشقا حبسي |
إذا كان ودي في ضميري ثابتا |
|
وكان يراني في العذاب فهو عرسي |
قال ابن جهضم : وحدثني أبو الحسن علي بن محمّد الخوارزمي المصري قال أبو سعيد السّكري : قال أحمد بن عيسى الخرّاز : كنت في البادية فنالني جوع شديد ، فغلبتني نفسي أن أسأل الله عزوجل طعاما. فقلت : ليس هذا من أفعال المتوكلين ،
__________________
(١) كذا بالأصل ، والذي في الأنساب (الشقاق) أن الذي صحب الخراز هو أبو بكر محمد بن عبد الله الشقاق الصوفي. وفي حلية الأولياء : الدقاق.
(٢) الزيادة ضرورية لاستقامة المعنى.