الموت في ألّذ ما كان ، فقال : يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله ، ذهب عمري في طاعة الشيطان ، وأسخطت ربّي ، فندم حين لم ينفعه الندم ، فأنزل الله خبره في القرآن.
(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) بالإرشاد إلى الحقّ (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) من الشرك والمعاصي. ولا يخلو : إمّا أن يريد به الهداية بالإلجاء ، أو بالألطاف ، أو بالوحي. والأوّل خارج عن المصلحة والحكمة ، لمنافاته التكليف الّذي هو مدار الشرع عليه. والآخران قد حصلا لكنّه لم ينظر إليه وأعرض عنه ، لأجل اشتغاله بالدنيا والأباطيل.
(أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في العقيدة والعمل. و «أو» للدلالة على أنّه لا يخلو من هذه الأقوال تحيّرا وتعلّلا بما لا طائل تحته ، كما حكى عنهم الثعلّل بإغواء الرؤساء والشياطين ونحو ذلك. ونحوه : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) (١).
فردّ الله عليه قوله : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) المتضمّن معنى النفي ، فقال : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) أي : قد هديت بالوحي (فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ) عن قبولها (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) وآثرت الكفر على الإيمان ، والضلالة على الهدى.
وتذكير الخطاب على المعنى. فهذه الآية جواب قوله : (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) ، وحقّها أن تذكر متّصلة به ، لكن فصل بينهما ، لأنّ تقديمه يفرّق القرائن الثلاث ، وتأخير المردّد يخلّ بالنظم المطابق للواقع ، لأنّه يتحسّر على التفريط في الطاعة ، ثمّ يتعلّل بفقد الهداية ، ثمّ يتمنّى الرجعة. فكان الصواب ما جاء عليه. وهو أنّه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثمّ أجاب من بينها عمّا اقتضى الجواب.
__________________
(١) إبراهيم : ٢١.