العزائم دون الرخص ، أو الناسخ دون المنسوخ. وهذا مثل قوله : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (١). (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) فجأة (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) بمجيئه ، أي : لا تعرفون وقت نزوله بكم فتتداركوا.
(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) كراهة أن تقول. وتنكير «نفس» لأنّ القائل بعض الأنفس ، وهي نفس الكافر. ويجوز أن يراد نفس متميّزة من الأنفس ، إمّا بفرط لجاج في الكفر وشدّة عناد في الطغيان ، أو بعذاب عظيم وعقاب أليم. أو يراد به التكثير. (يا حَسْرَتى) يا ندامتي (عَلى ما فَرَّطْتُ) بما قصّرت. و «ما» مصدريّة ، مثلها في (بِما رَحُبَتْ) (٢). والمعنى : على تقصيري. (فِي جَنْبِ اللهِ) في جانبه ، أي : في حقّه ، وهو طاعته. وقيل : في ذاته ، على تقدير مضاف كالطاعة. وقيل : في قربه وجواره ، وهو الجنّة. يقال : فلان في جنب فلان ، أي : في قربه وجواره. ومنه قوله تعالى : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) (٣). فيكون المعنى : على ما فرّطت في طلب جواره وقربه.
وروى العيّاشي : بالإسناد عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : «نحن جنب الله».
(وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) وإنّي كنت لمن المستهزئين بالقرآن والنبيّ والمؤمنين. ومحلّ «إن كنت» نصب على الحال ، كأنّه قال : فرّطت وأنا ساخر ، أي : فرّطت في حال سخريّتي.
وروي : أنّه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق ، وأتاه إبليس وقال له : تمتّع من الدنيا ثمّ تب ، فأطاعه ، وكان له مال فأنفقه في الفجور ، فأتاه ملك
__________________
(١) الزمر : ١٨.
(٢) التوبة : ٢٥.
(٣) النساء : ٣٦.