فلمّا فرغ حسّان بن قوله قال الأقرع : إنّ هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، وأصواتهم أعلى من أصواتنا.
فلمّا فرغوا أجازهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأحسن جوائزهم ، وأسلموا. فنهاهم الله سبحانه عن أن ينادوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم باسمه.
(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) كراهة أن تحبط. فيكون علّة للنهي. أو لأن تحبط ، على أنّ النهي عن الفعل المعلّل باعتبار التأدية والعاقبة ، لأنّه لمّا كان بصدد الأداء إلى الحبوط كأنّه فعل لأجله ، وكأنّه العلّة والسبب في إيجاده على سبيل التمثيل ، كقوله تعالى : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) (١). فإنّ في الجهر ورفع الصوت عنده أو ندائه باسمه استخفافا ، وقد يؤدّي إلى الكفر المحبط ، وذلك إذا انضمّ إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة. (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أنّها محبطة.
والحبوط من : حبطت الإبل إذا أكلت الخضر ، فنفخ بطونها ، وربّما هلكت. والمفعول له ـ أعني : «أن تحبط» ـ متعلّق بالفعل الثاني عند البصريّين ، مقدّر إضماره عند الفعل الأوّل ، كقوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (٢). وعند الكوفيّين بالعكس. وأيّهما كان ؛ فمرجع المعنى إلى أنّ الرفع والجهر كلاهما منصوص أداؤه إلى حبوط العمل.
واعلم أنّ المراد بحبوط العمل حبوط ثواب ذلك العمل ، لا للأعمال الصالحة السابقة على هذا العمل ، إذا لم يستلزم الكفر لقصد الاستخفاف والإهانة. والمعنى : أنّهم لو أوقعوا العمل على وجه تعظيم النبيّ وتوقيره لاستحقّوا الثواب ، فلمّا فعلوه على خلاف ذلك الوجه استحقّوا العقاب.
__________________
(١) القصص : ٨.
(٢) الكهف : ٩٦.