وقال محمد بن إسحاق : نزلت في وفد تميم. وهم : عطارد بن حاجب بن زرارة ، في أشراف من بني تميم ، منهم : الأقرع بن حابس ، والزبرقان بن بدر ، وعمرو بن الأهثم ، وقيس بن عاصم ، في وفد عظيم. فلمّا دخلوا المسجد نادوا رسول الله من وراء الحجرات : أن اخرج إلينا يا محمّد. فآذى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخرج إليهم. فقالوا : جئناك لنفاخرك ، فائذن لشاعرنا وخطيبنا.
فقال : قد أذنت.
فقام عطارد بن حاجب فقال : الحمد لله الّذي جعلنا ملوكا ، الّذي له الفضل علينا ، والّذي وهب لنا أموالا عظاما نفعل بها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق ، وأكثر عددا وعدّة. فمن مثلنا في الناس؟ فمن فاخرنا فليعدّ مثل ما عددنا. ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ، ولكنّا نستحي من الإكثار. ثمّ جلس.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لثابت بن قيس بن شماس : قم فأجبه.
فقام فقال : الحمد لله الّذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهنّ أمره ، ووسع كرسيّه علمه ، ولم يكن شيء قطّ إلّا من فضله. ثمّ كان من فضله أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمهم نسبا ، وأصدقهم حديثا ، وأفضلهم حسبا. فأنزل عليه كتابا ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله على العالمين. ثمّ دعا الناس إلى الإيمان بالله ، فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه ، أكرم الناس أحسابا ، وأحسنهم وجوها. فكان أوّل الخلق إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله نحن. فنحن أنصار رسول الله وردؤه (١) ، نقاتل الناس حتّى يؤمنوا. فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ، ومن نكث جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا. أقول هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم.
ثمّ قام الزبرقان بن بدر ينشد. وأجابه حسّان بن ثابت.
__________________
(١) الردء : الناصر والعون.