ولا تنافى بين وصف الريح هنا بالرخاء ، ووصفها في آية أخرى بكونها عاصفة كما قال : «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً» لأنها تكون بكلتا الحالين بحسب الحاجة إليها ، فهى تشتد حين الحلّ ، وتلين حين السير.
(٢) (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) أي وذللنا لأمره البنائين من الشياطين والغوّاصين في البحار منهم ، يسخرهم فيما يريد من الأعمال ، فإذا أراد بناء العمائر والقصور أو الحصون والقناطر أنجزوها له في الزمن القصير ، وإذا أحب استخراج اللؤلؤ والمرجان من البحار لجعلهما حلية لمن في قصوره لبّوا طلبه سراعا.
(٣) (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي وآخرين من الشياطين مردة مشاكسين لا يلبون دعوة الداعي ، ويخالفون ما أمروا به فيوضعون في السلاسل والأغلال ليتقى شرهم.
وخلاصة ما سلف ـ إن سليمان قد استعمل الشياطين في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص في الماء ، ومن لم يطع أمره وضعه في السلاسل والأغلال ، كفّا لشره ، وعقابا له ، وعبرة لغيره.
وإنا لا نعلم حقيقة تلك القيود ولا كيف تكون العقوبة ، كما لا نعلم كيف يشتغل الشياطين وكيف يبنون أو يغوصون؟ فكل ذلك في عالم لا ندرك شيئا من أحواله ، فعلينا أن نؤمن بأن سليمان لعظم ملكه لم يكتف بتسخير الإنس في أعماله بل سخّر معهم الجن فيما يصعب عليهم ، ونتقبل هذا كما قصه القرآن دون دخول في التفاصيل خوفا من الزلل الذي لا تؤمن مغبّته ، ولا نصل أخيرا إلى معرفة الحق فيه ، ولنكتف بذلك ، فالعبرة به ماثلة ولا نتزيّد فيه.
ثم ذكر سبحانه أنه أباح له أن يتصرف في كل هذا الملك الواسع كما شاء دون رقيب ولا حسيب فقال :
(هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي وقلنا له : إن هذا الذي أعطيناكه