وبأصالة الإطلاق يستكشف أنّ إرادة المتكلّم الآمر متعلّقة بالمطلق واقعا ، أي إنّ الواجب لم يؤخذ بالنسبة إلى القيد إلاّ على نحو اللابشرط.
والخلاصة أنّه لا مانع من التمسّك بالإطلاق لرفع احتمال التقييد في التقسيمات الأوّليّة.
د. عدم إمكان الإطلاق والتقييد في التقسيمات الثانويّة للواجب
ثمّ إنّ كلّ واجب ـ بعد ثبوت الوجوب وتعلّق الأمر به واقعا ـ ينقسم إلى ما يؤتى به في الخارج بداعي أمره ، وما يؤتى به لا بداعي أمره. ثمّ ينقسم أيضا إلى معلوم الوجوب ومجهوله.
وهذه التقسيمات تسمّى «التقسيمات الثانويّة» ؛ لأنّها من لواحق الحكم وبعد فرض ثبوت الوجوب واقعا ؛ إذ قبل تحقّق الحكم لا معنى لفرض إتيان الصلاة ـ مثلا ـ بداعي أمرها ؛ لأنّ المفروض في هذه الحالة [أنّه] لا أمر بها حتّى يمكن فرض قصده. وكذا الحال بالنسبة إلى العلم والجهل بالحكم.
وفي مثل هذه التقسيمات يستحيل التقييد ـ أي تقييد المأمور به ـ ؛ لأنّ قصد امتثال الأمر ـ مثلا ـ فرع وجود الأمر ، فكيف يعقل أن يكون الأمر مقيّدا به؟! ولازمه أن يكون الأمر فرع قصد الأمر ، وقد كان قصد الأمر فرع وجود الأمر ، فيلزم أن يكون المتقدّم متأخّرا والمتأخّر متقدّما. وهذا خلف أو دور.
وإذا استحال التقييد استحال الإطلاق أيضا ؛ لما قلنا سابقا (١) : إنّ الإطلاق من قبيل عدم الملكة بالقياس إلى التقييد (٢) ، فلا يفرض إلاّ في مورد قابل للتقييد ، ومع عدم إمكان التقييد لا يستكشف من عدم التقييد إرادة الإطلاق.
__________________
(١) قد مرّ في الصفحة : ٨٦.
(٢) اعلم أنّ في تقابل الإطلاق والتقييد أقوالا : منها : أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ، وهو المنسوب إلى سلطان العلماء ومن تبعه من المتأخّرين ، كما في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٥. ومنها : أنّه تقابل التضادّ ، وهو رأي المشهور إلى زمان سلطان العلماء ، كما في فوائد الأصول ١ : ٥٦٥. ومنها : تقابل التضادّ في مرحلة الثبوت ، والعدم والملكة في مرحلة الإثبات. وهذا ما اختاره المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ١٧٣. ومنها : أنّه تقابل التناقض. وهو مذهب الشهيد الصدر في دروس في علم الأصول ٢ : ٩٠ ـ ٩١.