٧. حجّية العلم ذاتيّة
كرّرنا في البحث السابق القول بأنّ «حجّيّة العلم ذاتيّة» ، ووعدنا ببيانها ، وقد حلّ هنا الوفاء بالوعد ؛ فنقول :
قد ظهر ممّا سبق معنى كون الشيء حجّيّته ذاتيّة ؛ (١) فإنّ معناه أنّ حجّيّته منبعثة من نفس طبيعة ذاته ، فليست مستفادة من الغير ، ولا تحتاج إلى جعل من الشارع ، ولا إلى صدور أمر منه باتّباعه ، بل العقل هو الذي يكون حاكما بوجوب اتّباع ذلك الشيء ؛ وما هذا شأنه ليس هو إلاّ العلم.
ولقد أحسن الشيخ العظيم الأنصاريّ قدسسره مجلّي (٢) هذه الأبحاث في تعليل وجوب متابعة القطع (٣) ، فإنّه بعد أن ذكر أنّه «لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا» علّل ذلك بقوله : «لأنّه بنفسه طريق إلى الواقع. وليست طريقيّته قابلة لجعل الشارع إثباتا أو نفيا». (٤)
وهذا الكلام فيه شيء من الغموض (٥) بعد أن اختلفت تعبيرات الأصوليّين من بعده ، فنقول لبيانه :
إنّ هنا شيئين أو تعبيرين :
أحدهما : وجوب متابعة القطع والأخذ به.
ثانيهما : طريقيّة القطع للواقع.
فما المراد من كون القطع حجّة بذاته؟ هل المراد أنّ وجوب متابعته أمر ذاتيّ له ،
__________________
(١) والأولى : معنى كون حجيّة الشيء ذاتيّة.
(٢) المجلّي : موضح هذه الأبحاث.
(٣) ممّا يجب التنبيه عليه أنّ المراد من العلم هنا هو «القطع» ، أي الجزم الذي لا يحتمل الخلاف ، ولا يعتبر فيه أن يكون مطابقا للواقع في نفسه ، وإن كان في نظر القاطع ليس إلاّ مطابقا للواقع ، فالقطع ـ الذي هو حجّة تجب متابعته ـ أعمّ من اليقين والجهل المركّب ، يعني أنّ المبحوث عنه هو العلم من جهة أنّه جزم لا يحتمل الخلاف عند القاطع ـ منه قدسسره ـ.
(٤) فرائد الأصول ١ : ٤.
(٥) ولعلّ الوجه في الغموض أنّه لا معنى لوجوب متابعة القطع إلاّ كون القطع بنفسه طريقا إلى الواقع ، كما سيأتي.