هذا الكلام كلّه عن المخصّص بالمتّصل. وكذلك الكلام عن المخصّص بالمنفصل ؛ لأنّا قلنا : إنّ التخصيص بالمنفصل معناه جعل الخاصّ قرينة منفصلة على تقييد مدخول «كلّ» بما عدا الخاصّ ، فلا تصرّف في أداة العموم ، ولا في مدخولها ، ويكون أيضا من باب تعدّد الدالّ والمدلول. ولو فرض أنّ المخصّص المنفصل ليس مقيّدا لمدخول أداة العموم ، بل هو تخصيص للعموم نفسه فانّ هذا لا يلزم منه أن يكون المستعمل فيه في العامّ هو البعض ، حتى يكون مجازا ، بل إنّما يكشف الخاصّ عن المراد الجدىّ من العامّ. (١)
٤. حجيّة العامّ المخصّص في الباقي
إذا شككنا في شمول العامّ المخصّص لبعض أفراد الباقي من العامّ بعد التخصيص ، فهل العامّ حجّة في هذا البعض فيتمسّك بظاهر العموم لإدخاله في حكم العامّ؟ على أقوال ؛ مثلا اذا قال المولى : «كلّ ماء طاهر» ، ثمّ استثنى من العموم بدليل متّصل أو منفصل الماء المتغيّر بالنجاسة ونحن احتملنا استثناء الماء القليل الملاقي للنجاسة بدون تغيّر ، فإذا قلنا بأنّ العامّ المخصّص حجّة في الباقي نطرد هذا الاحتمال بظاهر عموم العامّ في جميع الباقي ، فنحكم بطهارة الماء الملاقي غير المتغيّر (٢). واذا لم نقل بحجّيّته في الباقي يبقى هذا الاحتمال معلّقا لا دليل عليه من العامّ ، فنلتمس له دليلا آخر يقول بطهارته أو نجاسته.
والأقوال في المسألة كثيرة :
منها : التفصيل بين المخصّص بالمتّصل ، فيكون حجّة في الباقى ، وبين المخصّص بالمنفصل ، فلا يكون حجّة (٣).
__________________
(١) هذا الدليل ذكره المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٥١٧.
(٢) قوله : «غير المتغيّر» صفة لقوله : «الماء» ، أي نحكم بطهارة الماء الذي لاقى النجاسة ولم يتغيّر أحد أوصافه.
(٣) وهذا منسوب إلى بعض العامّة كالبلخي. راجع مطارح الأنظار : ١٩٢ ، الإحكام (الآمدي) ٢ : ٣٣٨ ؛ اللمع : ١٠٧.