٣. الخبر المتواتر
إنّ الخبر على قسمين رئيسين : خبر متواتر ، وخبر واحد.
و «المتواتر» : ما أفاد سكون النفس سكونا يزول معه الشكّ ، ويحصل الجزم القاطع من أجل إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب. ويقابله «خبر الواحد» في اصطلاح الأصوليّين ، وإن كان المخبر أكثر من واحد ، ولكن لم يبلغ المخبرون حدّ التواتر ، وقد شرحنا حقيقة التواتر في كتاب المنطق ، فراجع (١).
والذي ينبغي ذكره هنا أنّ الخبر قد يكون له وسائط كثيرة في النقل ، كالأخبار التي تصلنا عن الحوادث القديمة ؛ فإنّه يجب ـ ليكون الخبر متواترا موجبا للعلم ـ أن تتحقّق شروط التواتر في كلّ طبقة طبقة من وسائط الخبر ، وإلاّ فلا يكون الخبر متواترا في الوسائط المتأخّرة ؛ لأنّ النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.
والسرّ في ذلك واضح ؛ لأنّ الخبر ذا الوسائط يتضمّن في الحقيقة عدّة أخبار متتابعة ؛ إذ إنّ كلّ طبقه تخبر عن خبر الطبقة السابقة عليها ، فحينما يقول جماعة : «حدّثنا جماعة عن كذا» ، بواسطة واحدة ـ مثلا ـ ، فإنّ خبر الطبقة الأولى الناقلة لنا يكون في الحقيقة خبرها ليس عن نفس الحادثة ، بل عن خبر الطبقة الثانية عن الحادثة. وكذلك إذا تعدّدت الوسائط إلى أكثر من واحدة ، فهذه الوسائط هي خبر عن خبر ، حتى تنتهي إلى الواسطة الأخيرة التي تنقل عن نفس الحادثة ، فلا بدّ أن تكون الجماعة الأولى خبرها متواترا عن خبر متواتر عن متواتر وهكذا ؛ إذ كلّ خبر من هذه الأخبار له حكمه في نفسه. ومتى اختلّ شرط التواتر في طبقة واحدة خرج الخبر جملة عن كونه متواترا ، وصار من أخبار الآحاد.
وهكذا الحال في أخبار الآحاد ؛ فإنّ الخبر الصحيح ذا الوسائط إنّما يكون صحيحا إذا توفّرت (٢) شروط الصحّة في كلّ واسطة من وسائطه ، وإلاّ فالنتيجة تتبع أخسّ المقدّمات.
__________________
(١) المنطق ٣ : ٢٨٤.
(٢) أي : اجتمعت.