المسألة الخامسة : مقدّمات الحكمة
لمّا ثبت أنّ الألفاظ موضوعة لذات المعاني ، لا للمعاني بما هي مطلقة ، فلا بدّ في إثبات أنّ المقصود من اللفظ هو المطلق لتسرية الحكم إلى تمام الأفراد والمصاديق من قرينة خاصّة أو قرينة عامّة تجعل الكلام في نفسه ظاهرا في إرادة الإطلاق.
وهذه القرينة العامّة إنمّا تحصل إذا توفّرت جملة مقدّمات تسمّى : «مقدّمات الحكمة». والمعروف أنّها ثلاث (١) :
الأولى : إمكان الإطلاق والتقييد بأن يكون متعلّق الحكم أو موضوعه قبل فرض تعلّق الحكم به قابلا للانقسام ، فلو لم يكن قابلا للقسمة إلاّ بعد فرض تعلّق الحكم به ـ كما في باب قصد القربة ـ فإنّه يستحيل فيه التقييد ، فيستحيل فيه الإطلاق ـ كما تقدّم في بحث التعبّديّ والتوصّليّ (٢) ـ ، وهذا واضح.
الثانية : عدم نصب قرينة على التقييد ، لا متّصلة ولا منفصلة ، لأنّه مع القرينة المتّصلة لا ينعقد ظهور للكلام إلاّ في المقيّد ، ومع المنفصلة ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ، ولكنّه
__________________
(١) وفي كون ما ذكره معروفا نظر ، بل إنّهم اختلفوا فيها على أقوال :
الأوّل : أنّها ثلاث : ١. كون المتكلّم في مقام البيان. ٢. انتفاء ما يوجب التعيين. ٣. انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب. وهذا مذهب المحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٨٧.
الثاني : أنّها ثلاث ، وهي المقدّمات المذكورة في الكفاية ، وزاد في ثالثتها : «عدم وجود القدر المتيقّن مطلقا ـ أي ولو من الخارج ـ». نهاية الأفكار ٢ : ٥٦٧.
الثالث : أنّها ثلاث. وهي المقدّمات المذكورة في المتن. وهذا يظهر من كلام المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٥ : ٣٦٤ ـ ٣٧٠. واختاره المصنّف في المقام.
الرابع : أنّها اثنتان ، وهي المقدّمة الثانية ، والثالثة المذكورتان في المتن. وهذا مختار الشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ٢١٨ : والمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٥٧٣ ـ ٥٧٦.
فما ذكره في المتن من المقدّمات لم يكن معروفا.
وذهب السيّد البروجرديّ والإمام الخمينيّ إلى أنّها واحدة ، وهي كون المتكلّم في مقام البيان. نهاية الأصول : ٣٤٣ ، مناهج الوصول ٢ : ٣٢٥ ـ ٣٢٧.
(٢) راجع الصفحة : ٨٦.