إذا عرفت ذلك فينبغي أن يجعل التعريف لهذه القاعدة المجعولة ، لا لنفس الإبقاء العمليّ من المكلّف العامل بالقاعدة ؛ لأنّ المكلّف يقال له : «عامل بالاستصحاب ، ومجر له» ، وإن صحّ أن يقال له : «إنّه استصحب» ، كما يقال له : «أجرى الاستصحاب».
وعلى كلّ حال ، فموضوع البحث هنا هو هذه القاعدة العامّة. والمقصود بالبحث إثباتها ، وإقامة الدليل عليها ، وبيان مدى حدود العمل بها ، فلا وجه لجعل التعريف لذات الإبقاء العمليّ الذي هو فعل العامل بالقاعدة ، كما صنع بعضهم (١) ، فوقع في حيرة من توجيه التعريفات.
وإلى تعريف القاعدة نظر من عرّف الاستصحاب بأنّه «إبقاء ما كان» (٢) ، فإنّ القاعدة في الحقيقة معناها إبقاؤه حكما (٣). وكذلك من عرّفه بأنّه «الحكم ببقاء ما كان» (٤). ولذا قال الشيخ الأنصاريّ قدسسره عن ذلك التعريف : «والمراد بالإبقاء : الحكم بالبقاء» ، بعد أن قال : «إنّه أسدّ التعاريف وأخصرها».
ولقد أحسن وأجاد في تفسير «الإبقاء» بالحكم بالبقاء ، ليدلّنا على أنّ المراد من «الإبقاء» حكما الذي هو القاعدة ، لا الإبقاء عملا الذي هو فعل العامل بها.
وقد اعترض (٥) على هذا التعريف ـ الذي استحسنه الشيخ قدسسره ـ بعدّة أمور نذكر أهمّها ،
__________________
(١) وهو المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٩ ـ ١٤.
(٢) قال الشيخ الأنصاريّ : إنّ هذا التعريف أسدّ التعاريف وأخصرها. ثمّ قال : وإليه مرجع تعريفه في الزبدة بـ «أنّه إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل». فرائد الأصول ٢ : ٥٤١.
(٣) أي : إبقاء ما كان حكما.
(٤) هكذا عرّفه العلاّمة الآشتيانيّ في بحر الفوائد ٣ : ٣. والتحقيق أنّه نفس التعريف الأوّل الذي اختاره الشيخ الأنصاريّ ، لأنّه فسّر الإبقاء في التعريف الأوّل بالحكم بالبقاء ، فمعنى قوله : «إبقاء ما كان» هو الحكم ببقاء ما كان. والمحقّق العراقي فسّر «الحكم» بالتصديق الظنّي أو اليقين التعبّدي. نهاية الأفكار ٤ «القسم الأوّل» : ٢ ـ ٣ ، وتعليقاته على فوائد الأصول ٤ : ٣٠٧.
(٥) والمعترض عليه بالأمرين الآتيين هو المحقّق الخراسانيّ في الحاشية على الرسائل : ١٧١.
واعترض عليه المحقّق الأصفهانيّ بالأمر الأوّل في نهاية الدراية ٣ : ٦.