لها ، ولو من طريق
عدم ثبوت الردع من قبله ، كما سبق.
وإن كانت على
النحو الثاني ، فلا نجد مجالا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو
القطع واليقين ، كما قلنا في الإجماع ، وهي نوع منه ، بل هي دون الإجماع القوليّ
في ذلك ، كما سيأتي وجهه.
قال الشيخ الأعظم قدسسره في كتاب البيع في
مبحث المعاطاة : «وأمّا : ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث ـ يقصد توريث ما
يباع معاطاة ـ فهي كسائر سيراتهم الناشئة من المسامحة ، وقلّة المبالاة في الدين
ممّا لا يحصى في عباداتهم ، ومعاملاتهم ، كما لا يخفى».
ومن الواضح أنّه
يعنى من السيرة هذا النحو الثاني. والسرّ في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة
هو ما نعرف من أسلوب نشأة العادات عند البشر ، وتأثير العادات على عواطف الناس :
أنّ بعض الناس المتنفّذين ، أو المغامرين قد يعمل شيئا ؛ استجابة لعادة غير
إسلاميّة ، أو لهوى في نفسه ، أو لتأثيرات خارجيّة ، نحو تقليد الأغيار ، أو
لبواعث انفعالات نفسيّة ، مثل حبّ التفوّق على الخصوم ، أو إظهار عظمة شخصه ، أو
دينه ، أو نحو ذلك. ويأتي آخر فيقلّد الأوّل في عمله ، ويستمرّ العمل ، فيشيع بين
الناس من دون أن يحصل من يردعهم عن ذلك ؛ لغفلة ؛ أو لتسامح ؛ أو لخوف ؛ أو لغلبة
العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم ؛ أو لغير ذلك.
وإذا مضت على
العمل عهود طويلة يتلقّاه الجيل بعد الجيل ، فيصبح سيرة المسلمين ، وينسى تأريخ
تلك العادة. وإذا استقرّت السيرة يكون الخروج عليها خروجا على العادات المستحكمة
التي من شأنها أن تتكوّن لها قدسيّة واحترام لدى الجمهور ، فيعدّون مخالفتها من
المنكرات القبيحة ، وحينئذ يتراءى أنّها عادة شرعيّة وسيرة إسلاميّة ، وأنّ
المخالف لها مخالف لقانون الإسلام ، وخارج على الشرع.
ويشبه أن يكون من
هذا الباب سيرة تقبيل اليد ، والقيام احتراما للقادم ، والاحتفاء
__________________