مقصودهم في
التزهيد بالعقل ، وهل تراهم يحكّمون غير عقولهم في التزهيد بالعقول؟
ويجلّي لنا عدم
وضوح المقصود من الدليل العقليّ ما ذكره الشيخ المحدّث البحرانيّ في حدائقه ، وهذا
نصّ عبارته :
«المقام الثالث :
في دليل العقل. وفسّره بعض بالبراءة الأصليّة ، والاستصحاب.
وآخرون قصروه على
الثاني. وثالث فسّره بلحن الخطاب ، وفحوى الخطاب ، ودليل الخطاب. ورابع بعد
البراءة الأصليّة والاستصحاب بالتلازم بين الحكمين ، المندرج فيه مقدّمة الواجب ،
واستلزام الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاصّ ، والدلالة الالتزاميّة» .
ثمّ تكلّم عن كلّ
منها في مطالب عدا التلازم بين الحكمين لم يتحدّث عنه. ولم يذكر من الأقوال حكم
العقل في مسألة الحسن والقبح ، بينما أنّ حكم العقل المقصود ـ الذي ينبغي أن يجعل
دليلا ـ هو خصوص التلازم بين الحكمين ، وحكم العقل في الحسن والقبح. وما نقله من
الأقوال لم يكن دقيقا ، كما سبق بيان بعضها.
وكيفما كان ،
فالذي يصلح أن يكون مرادا من الدليل العقليّ المقابل للكتاب والسنّة هو «كلّ حكم
للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعيّ». وبعبارة ثانية هو «كلّ قضيّة عقليّة يتوصّل بها
إلى العلم القطعيّ بالحكم الشرعيّ». وقد صرّح بهذا المعنى جماعة من المحقّقين
المتأخّرين.
وهذا أمر طبيعيّ ؛
لأنّه إذا كان الدليل العقليّ مقابلا للكتاب والسنّة فلا بدّ ألاّ يعتبر حجّة إلاّ
إذا كان موجبا للقطع الذي هو حجّة بذاته ؛ فلذلك لا يصحّ أن يكون شاملا للظنون وما
لا يصلح للقطع بالحكم من المقدّمات العقليّة.
ولكن هذا التحديد
بهذا المقدار لا يزال مجملا ، وقد وقع خلط وخبط عظيمان في فهم هذا الأمر ؛ ولأجل
أن ترفع جميع الشكوك ، والمغالطات ، والأوهام لا بدّ لنا من توضيح
__________________