وللجواب عن هذا
السؤال علينا أن نرجع القهقرى إلى أوّل إجماع اتّخذ دليلا في تأريخ المسلمين. إنّه
الإجماع المدّعى على بيعة أبي بكر ؛ خليفة للمسلمين ، فإنّه إذا وقعت البيعة له ـ والمفروض
أنّه لا سند لها من طريق النصّ القرآنيّ ، والسنّة النبويّة ـ اضطرّوا إلى
تصحيح شرعيّتها من طريق الإجماع ، فقالوا :
أوّلا : إنّ المسلمين من أهل المدينة أو أهل الحلّ والعقد منهم
أجمعوا على بيعته.
وثانيا : إنّ الإمامة من الفروع لا من الأصول.
وثالثا : إنّ الإجماع حجّة في مقابل الكتاب والسنّة ، أي إنّه
دليل ثالث ، غير الكتاب والسنّة.
ثمّ منه توسّعوا ،
فاعتبروه دليلا في جميع المسائل الشرعيّة الفرعيّة. وسلكوا لإثبات حجّيّته ثلاثة
مسالك : الكتاب ، والسنّة ، والعقل.
ومن الطبيعي ألاّ
يجعلوا الإجماع من مسالكه ؛ لأنّه يؤدّي إلى إثبات الشيء بنفسه ، وهو دور باطل.
أمّا مسلك الكتاب
: فآيات استدلّوا بها [وهي] لا تنهض دليلا على مقصودهم. وأولاها بالذكر آية سبيل
المؤمنين ، وهي قوله (تعالى) : (وَمَنْ يُشاقِقِ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) . فإنّها توجب اتّباع سبيل المؤمنين ، فإذا أجمع المؤمنون على حكم فهو سبيلهم
، فيجب اتّباعه. وبهذه الآية تمسّك الشافعيّ على ما نقل عنه.
ويكفينا في ردّ
الاستدلال بها ما استظهره الشيخ الغزاليّ منها ؛ إذ قال : «الظاهر أنّ المراد
__________________