وعليه ، فلا يشمل النسخ الاصطلاحيّ المجعولات التكوينيّة التي بيده رفعها ووضعها بما هو خالق الكائنات.
والنسخ بهذا التعبير يشمل نسخ تلاوة القرآن الكريم على القول به ؛ باعتبار أنّ القرآن من المجعولات الشرعيّة التي ينشئها الشارع بما هو شارع ، وإن كان لنا كلام في دعوى نسخ التلاوة من القرآن ، ليس هذا موضع تفصيله ، ولكن ـ بالاختصار ـ نقول : إنّ نسخ التلاوة ـ في الحقيقة ـ يرجع إلى القول بالتحريف ؛ لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعيّ ، سواء كان نسخا لأصل التلاوة ، أو نسخا لها ولما تضمّنته من حكم معا (١) ، وإن كان في القرآن الكريم ما يشعر بوقوع نسخ التلاوة ، كقوله (تعالى) : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) (٢) ، وقوله (تعالى) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٣). ولكن ليستا صريحتين بوقوع ذلك ، ولا ظاهرتين ، وإنّما أكثر ما تدلّ عليه الآيتان إمكان وقوعه.
إمكان نسخ القرآن
قد وقعت عند بعض الناس (٤) شبهات في إمكان أصل النسخ (٥) ، ثمّ في إمكان نسخ القرآن خاصّة. وتنويرا للأذهان نشير إلى أهمّ الشبه ودفعها ، فنقول :
١. قيل : «إنّ المرفوع في النسخ إمّا حكم ثابت ، أو ما لا ثبات له. والثابت يستحيل
__________________
(١) قال السيّد المرتضى : «ومثال نسخ التلاوة دون الحكم ، غير مقطوع به ؛ لأنّه من جهة خبر الآحاد» ، ثمّ قال : «ومثال نسخ الحكم والتلاوة معا موجود ـ أيضا ـ في أخبار الآحاد». الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٤٢٩.
(٢) النحل (١٦) الآية : ١٠١.
(٣) البقرة (٢) الآية : ١٠٦.
(٤) والمراد من «بعض الناس» هو جماعة من اليهود ، والنصارى ، وأبو مسلم الأصفهانيّ المعتزليّ من المسلمين ، على ما في الفصول الغرويّة : ٢٣٣ ، ومفاتيح الأصول : ٢٤٦ ، وفواتح الرحموت (المستصفى ٢ : ٥٥) ، والإحكام (للآمدي) ٣ : ١٦٥ ، ومبادئ الوصول : ١٧٥ ـ ١٧٦.
وقد ينسب عدم إمكان النسخ في الشرائع جميعا إلى اليهود ، وعدم إمكانه في القرآن خاصّة إلى أبي مسلم الأصفهانيّ ، كما في إرشاد الفحول : ١٨٥.
(٥) أي في إمكان النسخ في مطلق الشرائع ، أو مطلق الحكم.