المأمور به
والمنهيّ عنه متغايرين وجودا ، ولكنّهما يدخلان تحت ماهيّة واحدة ، كالسجود لله
والسجود للصنم ، فإنّهما واحد بالجنس باعتبار أنّ كلاّ منهما داخل تحت عنوان
السجود ، ولا شكّ في خروج ذلك عن محلّ النزاع.
٣. «الجواز» والمقصود منه الجواز العقليّ ـ أي الإمكان المقابل
للامتناع ـ وهو واضح ؛ ويصحّ أن يراد منه الجواز العقليّ المقابل للقبح العقليّ ،
وهو قد يرجع إلى الأوّل باعتبار أنّ القبيح ممتنع على الله (تعالى).
والجواز له معان
أخر ، كالجواز المقابل للوجوب والحرمة الشرعيّين ، والجواز بمعنى الاحتمال ؛
وكلّها غير مرادة قطعا.
إذا عرفت تفسير
هذه الكلمات الثلاث الواردة في عنوان المسألة يتّضح لك جيّدا تحرير النزاع فيها ،
فإنّ حاصل النزاع في المسألة يكون أنّه في مورد التقاء عنواني المأمور به ،
والمنهيّ عنه في واحد وجودا هل يجوز اجتماع الأمر والنهي؟
ومعنى ذلك : أنّه
هل يصحّ أن يبقى الأمر متعلّقا بذلك العنوان المنطبق على ذلك الواحد ، ويبقى النهي
كذلك متعلّقا بالعنوان المنطبق على ذلك الواحد ، فيكون المكلّف مطيعا وعاصيا معا
في الفعل الواحد ، أو أنّه يمتنع ذلك ولا يجوز ، فيكون ذلك المجتمع للعنوانين إمّا
مأمورا به فقط ، أم منهيّا عنه فقط ، أي إنّه إمّا أن يبقى الأمر على فعليّته فقط
، فيكون المكلّف مطيعا لا غير ، أو يبقى النهي على فعليّته فقط ، فيكون المكلّف
عاصيا لا غير.
والقائل بالجواز
لا بدّ أن يستند في قوله إلى أحد رأيين :
١. أن يرى أنّ
العنوان بنفسه هو متعلّق التكليف ، ولا يسري الحكم إلى المعنون ، فانطباق عنوانين
على فعل واحد لا يلزم منه أن يكون ذلك الواحد متعلّقا للحكمين ، فلا يمتنع
الاجتماع ـ أي اجتماع عنوان المأمور به مع عنوان المنهيّ عنه في واحد ـ ؛ لأنّه لا
يلزم منه اجتماع نفس الأمر والنهي في واحد.
٢. أن يرى أنّ
المعنون ـ على تقدير تسليم أنّه هو متعلّق الحكم حقيقة لا العنوان ـ ، يكون
متعدّدا واقعا ، إذا تعدّد العنوان ؛ لأنّ تعدّد العنوان يوجب تعدّد المعنون
بالنظر الدقيق الفلسفيّ ، ففي الحقيقة ـ وإن كان فعل واحد في ظاهر الحال صار
مطابقا للعنوانين ـ هناك