فيكون البعث نحو المقدّمة ـ على هذا ـ بعثا حقيقيّا ، لا أنّه يتبع البعث إلى ذيها على وجه ينسب إليها بالعرض ، كما في الوجه الأوّل ، ولا أنّه يبعثه ببعث مستقلّ لنفس المقدّمة ولغرض فيها بعد البعث نحو ذيها ، كما في الوجه الثاني ، ولا أنّ البعث نحو المقدّمة من آثار البعث نحو ذيها على وجه يكون معلولا له كما في الوجه الثالث. وسيأتي تتمّة للبحث في المقدّمات المفوّتة.
٣. خصائص الوجوب الغيريّ
بعد ما اتّضح معنى التبعيّة في الوجوب الغيريّ تتّضح لنا خصائصه التي بها يمتاز عن الوجوب النفسيّ ، وهي أمور :
١. إنّ الواجب الغيريّ كما لا بعث استقلاليّ له ـ كما تقدّم ـ لا إطاعة استقلاليّة له ، وإنّما إطاعته كوجوبه لغرض التوصّل إلى ذي المقدّمة ، بخلاف الواجب النفسيّ ؛ فإنّه واجب لنفسه ويطاع لنفسه.
٢. إنّه بعد أن قلنا : إنّه لا إطاعة استقلاليّة للوجوب الغيريّ ، وإنّما إطاعته كوجوبه لصرف التوصّل إلى ذي المقدّمة ، فلا بدّ ألاّ يكون له ثواب على إطاعته (١) غير الثواب الذي يحصل على إطاعة وجوب ذي المقدّمة ، كما لا عقاب على عصيانه غير العقاب على عصيان وجوب ذي المقدّمة. ولذا نجد أنّ من ترك الواجب بترك مقدّماته لا يستحقّ أكثر من عقاب واحد على نفس الواجب النفسيّ ، لا أنّه يستحقّ عقابات متعدّدة بعدد مقدّماته المتروكة.
وأمّا : ما ورد في الشريعة ـ من الثواب على بعض المقدّمات مثل ما ورد من الثواب
__________________
(١) يرى السيّد الجليل المحقّق الخوئي * أنّ المقدّمة أمر قابل لأن يأتي به الفاعل مضافا به إلى المولى ، فيترتّب على فعلها الثواب إذا أتى بها كذلك. ولا ملازمة عنده بين ترتّب الثواب على عمل وعدم استحقاق العقاب على تركه ، ولا يفرق في ذلك بين القول بوجوب المقدّمة وعدمه. وهو رأي وجيه باعتبار أنّ فعل المقدّمة يعدّ شروعا في امتثال ذيها. ـ منه رحمهالله ـ.
__________________
* راجع محاضرات في أصول الفقه ٢ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧.