يسقط عن الحجّيّة لقيام القرينة المقدّمة عليه والحاكمة ، فيكون ظهوره ظهورا بدويّا ـ كما قلنا في تخصيص العموم بالخاصّ المنفصل ـ ، ولا تكون للمطلق الدلالة التصديقيّة الكاشفة عن مراد المتكلّم ، بل الدلالة التصديقيّة إنمّا هي على إرادة التقييد واقعا.
الثالثة : أن يكون المتكلّم في مقام البيان ، فإنّه لو لم يكن في هذا المقام بأن كان في مقام التشريع فقط أو كان في مقام الإهمال ، إمّا رأسا أو لأنّه في صدد بيان حكم آخر ، فيكون في مقام الإهمال من جهة مورد الإطلاق ـ وسيأتي مثاله ـ فإنّه في كلّ ذلك لا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق ؛ أمّا في مقام التشريع بأن كان في مقام بيان الحكم لا للعمل به فعلا بل لمجرّد تشريعه ، فيجوز ألاّ يبيّن تمام مراده ، مع أنّ الحكم في الواقع مقيّد بقيد لم يذكره في بيانه انتظارا لمجيء وقت العمل ، فلا يحرز أنّ المتكلّم في صدد بيان جميع مراده. وكذلك إذا كان المتكلّم في مقام الإهمال رأسا ؛ فإنّه لا ينعقد معه ظهور في الإطلاق ، كما لا ينعقد للكلام ظهور في أيّ مرام. ومثله ما إذا كان في صدد حكم آخر ، مثل قوله (تعالى) : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) (١) الوارد في مقام بيان حلّ صيد الكلاب المعلّمة من جهة كونه ميتة ، وليس هو في مقام بيان مواضع الإمساك أنّها تتنجّس ، فيجب تطهيرها أم لا ، فلم يكن هو في مقام بيان هذه الجهة ، فلا ينعقد للكلام ظهور في الإطلاق من هذه الجهة.
ولو شكّ في أنّ المتكلّم في مقام البيان أو الإهمال ، فإنّ الأصل العقلائيّ يقتضي بأن يكون في مقام البيان (٢) ، فإنّ العقلاء كما يحملون المتكلّم على أنّه ملتفت غير غافل وجادّ غير هازل عند الشكّ في ذلك ، كذلك يحملونه على أنّه في مقام البيان والتفهيم ، لا في مقام الإهمال والإيهام.
وإذا تمّت هذه المقدّمات الثلاث فإنّ الكلام المجرّد عن القيد يكون ظاهرا في الإطلاق ، وكاشفا عن أنّ المتكلّم لا يريد المقيّد ، وإلاّ لو كان قد أراده واقعا ، لكان عليه البيان ، والمفروض أنّه حكيم ملتفت جادّ غير هازل ، وهو في مقام البيان ، ولا مانع
__________________
(١) المائدة (٥) الآية : ٤.
(٢) هكذا في الكفاية : ٢٨٨.