عليه باعتباره لازما لمفاد الجملة بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ؛ ولأجل هذا يختصّ المفهوم بالمدلول الالتزاميّ.
مثاله قولهم : «إذا بلغ الماء كرّا لا ينجّسه شيء». فالمنطوق فيه هو مضمون الجملة وهو عدم تنجّس الماء البالغ كرّا بشيء من النجاسات. والمفهوم ـ على تقدير أن يكون لمثل هذه الجملة مفهوم ـ أنّه إذا لم يبلغ كرّا يتنجّس.
وعلى هذا يمكن تعريفهما بما يلي :
المنطوق «هو حكم دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق».
والمفهوم «هو حكم دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق (١)».
والمراد من الحكم الحكم بالمعنى الأعمّ ، لا خصوص أحد الأحكام الخمسة.
وعرّفوهما أيضا بأنّهما حكم مذكور وحكم غير مذكور (٢) ؛ وأنّهما حكم لمذكور وحكم لغير مذكور (٣) ، وكلّها لا تخلو عن مناقشات طويلة الذيل (٤). والذي يهوّن الخطب أنّها تعريفات لفظيّة لا يقصد منها الدقّة
في التعريف ، والمقصود منها واضح كما شرحناه.
٢. النزاع في حجّيّة المفهوم
لا شكّ أنّ الكلام إذا كان له مفهوم يدلّ عليه فهو ظاهر فيه ، فيكون حجّة من المتكلّم على السامع ، ومن السامع على المتكلّم ، كسائر الظواهر الأخرى.
__________________
(١) هكذا عرّفهما ابن الحاجب في منتهى الوصول والأمل : ١٤٧. كما نسبه إليه الأسنويّ في نهاية السئول ٢ : ١٩٨ ، والشيخ الأنصاريّ في مطارح الأنظار : ١٦٧. ونسبه صاحب الفصول إلى المشهور ، الفصول الغرويّة : ١٤٥.
(٢) كما في كفاية الأصول : ٢٣٠.
(٣) هكذا عرّفهما العضديّ في شرحه على مختصر ابن الحاجب ١ : ٣٠٦ ، والشوكاني في إرشاد الفحول : ١٧٨.
(٤) وإن أردت تفصيلها فراجع نهاية الدارية ١ : ٦٠٥ ، ونهاية الأفكار ١ : ٤٦٩.
ويمكن القول بأنّ المفهوم ما دلّ عليه مدلول اللفظ بالدلالة العقليّة ، فالمنطوق في قولهم ؛ «الماء إذا بلغ كرّا لا ينجّسه شيء» هو مفاد الجملة ـ أي عدم تنجّس الماء البالغ كرّا بشيء من النجاسات ـ ، وهذا المنطوق يدلّ عقلا على أنّه إذا لم يبلغ كرّا يتنجّس. وعليه فلا يبعد القول بأنّ مسألة المفهوم مسألة عقليّة لا لفظيّة.