من يفيل رأيه (١) وينكر عمله ، فانّ الصّاحب معتبر بصاحبه. واسكن الأمصار العظام فإنّها جماع المسلمين ، واحدر منازل الغفلة والجفاء وقلّة الأعوان على طاعة اللّه ، واقصر رأيك على ما يعنيك ، وإيّاك ومقاعد الأسواق فانّها محاضر الشّيطان ومعاريض الفتن (٢) ، وأكثر أن تنظر إلى من فضّلت عليه (٣) ، فانّ ذلك من أبواب الشّكر ، ولا تسافر فى يوم جمعة حتّى تشهد الصّلاة إلاّ فاصلا فى سبيل اللّه (٤) أو فى أمر تعذر به ، وأطع اللّه فى جميع أمورك فإنّ طاعة اللّه فاضلة على ما سواها ، وخادع نفسك فى العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها (٥) إلاّ ما كان مكتوبا عليك من الفريضة ، فإنّه لا بدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها ، وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك فى طلب الدّنيا (٦) ، وإيّاك ومصاحبة الفسّاق
__________________
(١) «فال الرأى يفيل» أى : ضعف
(٢) المعاريض : جمع معراض ـ كمحراب ـ وهو سهم بلا ريش رقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده ، والأسواق كذلك ، لكثرة ما يمر على النظر فيها من مثيرات اللذات والشهوات
(٣) أى : إلى من دونك ممن فضلك اللّه عليه
(٤) «فاصلا» أى : خارجا ذاهبا
(٥) «خذ عفوها» أى : وقت فراغها وارتياحها إلى الطاعة. وأصله العفو بمعنى ما لا أثر فيه لأحد يملك ، عبر به عن الوقت الذى لا شاغل للنفس فيه
(٦) «آبق» أى : هارب منه متحول عنه إلى طلب الدنيا