إلّا التعصّب ، والنزول عن الحقّ ، وما نجد له باعثا الله يعلم.
فإن أردت تفصيل ما ذكره وما ذكرناه فارجع إلى تفسيره ، وإلى ما ذكرناه في الرسالة ، الله الموفّق للحقّ والصواب وإليه المصير والمآب.
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١) في الكشاف : تلك تعظيم لها ـ أي دار الآخرة والجنّة ـ وتفخيم لشأنها يعني تلك الّتي سمعت بذكرها وبلغك وصفها ، ولم يعلّق الموعد بترك العلوّ والفساد ، ولكن بترك إرادتهما وميل القلوب إليهما ، كما قال (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فعلّق الوعيد بالركون ، وعن عليّ رضياللهعنه أنّ الرجل ليعجبه أن يكون شراك فعله أجود من شراك نعل صاحبه ، فيدخل تحتها ، وعن الفضيل أنّه قرأها ثمّ قال ذهبت الأمانيّ ههنا ، وعن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يردّدها حتّى قبض.
في مجمع البيان (عُلُوًّا) أي تجبّرا على عباد الله ، واستكبارا عن عبادته (وَلا فَساداً) أي عملا بالمعاصي ، قيل هو الدعاء إلى عبادة غير الله ، وقال عكرمة هو أخذ المال بغير حقّ ، ويفهم منه عرفا غير ذلك فافهم ، والأوّل بعيد ولا بعد في عمومه كما يفهم من كلامه صلوات الله عليه وعلى آله ، لأنّه لو لم يكن في نفسه خساسة وحسد وتسلّط على المسلم ما كان يريد أن يكون شراك نعله أحسن من شراك نعل صاحبه ، فهو خسّة في حقّه [تعالى] وماله وحسد وبغض وغير ذلك لا أنّه يريد لنفسه شيئا حسنا فقط لأنّه لو كان كذلك كان لا يريد الأخسّ لغيره ، والأحسن لنفسه وهو ظاهر فافهم.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (٢) أي أمرنا الإنسان أن يفعل بوالديه فعلا ذا حسن فيحسن إليهما ولو كانا كافرين أيضا ، لعمومه ومثله قوله (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) ونبّه به على عدم إطاعتهما في المعاصي لو أرادا ، لأنّ كلّ حقّ وإن عظم ساقط إذا جاء
__________________
(١) القصص : ٨٤.
(٢) العنكبوت : ٨.