أي إذا سافرتم فلا جناح عليكم أن تقصروا الصلاة الرباعيّة الفريضة بحذف ركعتي آخرها ، ويمكن ونافلتها أيضا ، والآية مجملة بيانها بالأخبار والإجماع فالسفر شرط لقصر الصلاة بالآية ، ودلّت عليه الأخبار أيضا والإجماع وأمّا الخوف فظاهر قوله (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) يعني إن خفتم فتنة الّذين كفروا في أنفسكم أو دينكم ، أنّه أيضا شرط فلا قصر مع الأمن ، ولكنّه بالمفهوم الشرطيّ وهو وإن كان حجّة إلّا أنّه مشروط بعدم ظهور فائدة للتقييد سوى المفهوم كما بيّن في موضعه ، وقد يكون وقوع الخوف وقت النزول أو كونه الأغلب والأعمّ كما قيل وأمثاله في القرآن والسنّة كثيرة مثل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ) (١) (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (٢) وأيضا هو معتبر ما لم يعارضه أقوى من ذلك وهنا معارض بأقوى وأصرح منه من الإجماع ومنطوق الأخبار.
قال القاضي : وقد تظافرت السنن على جوازه أيضا في حال الأمن فترك المفهوم بالمنطوق وإن كان المفهوم حجّة أيضا لأنّه أقوى. ويدلّ عليه الخبر الصحيح عن زرارة ومحمّد بن مسلم (٣) أنّهما قالا قلنا لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال : إنّ الله عزوجل يقول (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر ، قالا : قلنا إنّما قال الله تعالى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه الصلاة والسلام : أو ليس قد قال الله تعالى في الصفا والمروة (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٤) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض لأنّ الله عزوجل ذكره في كتابه وصنعه نبيّه صلىاللهعليهوآله وكذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبيّ صلىاللهعليهوآله وذكره الله تعالى في كتابه ، قالا : قلنا له : فمن صلّى في السفر أربعا
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) النور : ٣٣.
(٣) الفقيه ج ١ ص ٢٧٨.
(٤) البقرة : ١٨٥.