فالتقدير : ووصّينا الإنسان بنا وبالوالدين ثمّ فسّره بقوله (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) فأنّ مفسّرة فإنّ المعنى وأمرنا الإنسان بي وبوالديه أي قلنا له : اشكر لي ولوالديك ففيه مبالعة زائدة بالوالدين لا يمكن فوق ذلك بأن جعل الوصيّة إليهما وصيّة إليه وشكره شكرهما ، وغير ذلك ، وأكّد ذلك خصوصا جانب الأمّ لكثرة حقوقها ومشقّتها ، بقوله (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) وهي جملة حاليّة مقدّرة ، وعطف عليه (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي ضعفا على ضعف أو ثقلا على ثقل ، فانّ الحمل كلّما يزداد زيادة يزداد ثقلا وضعفا ، وكذا رضاعه طول الحولين فإنّه موجب لمشقّة زائدة مع حضانته في تلك المدّة.
ومعنى (فِصالُهُ فِي عامَيْنِ) أي فطامه في انقضاء الحولين وبعد مضيّهما ، فيدلّ على أنّ الحولين غاية الرضاع ولا يكون رضاع فوقهما ، فلا يكون محرّما أيضا ، ولكن جوّز الأصحاب رضاع شهر أو شهرين بعدهما للأخبار أو الإجماع والاحتياط في الأوّل ، ويمكن حمل ذلك على الضرورة ، نعم يحتمل الأقلّ لقوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (١) ثمّ أكّد المبالغة في ذلك بالوعيد بقوله «و (إِلَيَّ الْمَصِيرُ») أي مرجع المطيع والشاكر لي ولهما ، والعاصي وكافر النعمة والعاقّ لهما ، إليّ ، فاجازي كلّا بعمله ، وبما يستحقّه.
ثمّ بالغ مرّة أخرى بما هو بمنزلة الاستثناء أي تطعهما إلّا في الكفر حيث قال (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) أي إن بذلا جهدهما في أن تعبد غيري وتشارك معي معبودا غيري فلا تطعهما في ذلك ، فانّ ذلك طاعة فيما ليس لك به علم ، فانّ العلم به محال ، فإنّه محال ، فأشار إلى نفيه بنفي العلم ، وفيه إشارة إلى وجوب متابعة العلم ، وعدم متابعة غيره ، يعني لو كان له علم في ثبوت الشريك لكان جائزا ويجب عليكم تبعيّة الوالدين في ذلك ، فكيف غيره ، ولكن ذلك محال ، وأكّده مرّة أخرى بعده بقوله (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) يعني مع كونهما كافرين وجاهدا في كفرك ، لا تترك الإحسان معهما ، بل
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣.