استعمل معهما معروفا حسنا جميلا بخلق جميل واحتمال ما يصل إليك منهما وبرّ وصلة وما هو مقتضى العرف ، والحسن الجميل في الدنيا مع قطع النظر عن آخرتهما أو افعل بهما ما يقتضيه الكرم والمروّة والإحسان (وَاتَّبِعْ) في ذلك وغيره (سَبِيلَ مَنْ أَنابَ) يعلم أنّ له رجوعا ومصيرا (إِلَيَّ) ويعتقد أنّ العاقبة إلىّ وهو سبيل المؤمنين لا سبيل الكفّار ، وزاد ذلك بقوله (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وبالجملة فيها المبالغة أكثر من أن يبيّن كما مرّ في تفسير قوله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) فتذكّر (١).
ثمّ في الآية من الفروع وجوب الرضاع في عامين لا أكثر إلّا أن يثبت بدليل وعدم كون ما زاد رضاعا محرّما لعدم كونه شرعا ، والمحرّم إنّما هو الشرعيّ فتأمّل ، فقول أبي حنيفة إنّ مدّة الرضاع ثلاثون شهرا باطل ، فإنّه مخالف لظاهر الآيتين فافهم ، ولهذا رجع من قوله صاحباه وقالا بقول الشافعيّ والأصحاب أنّه حولان وكون أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر بضمّ قوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٢) فإنّك إذا أخرجت الحولين الكاملين من ثلاثين شهرا للرّضاع ، يبقى ستّة أشهر للحمل فتأمّل ، ووجوب شكر نعمة المنعم ، منه طاعة الوالدين ، وبرّهما ، وتحريم العقوق ، وثبوت ذلك بالنسبة إلى الكافرين ، وعدم متابعته في أيّ شيء كان فافهم.
ومن وصيّته (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) (٣) أي ولا تمل وجهك من الناس تكبّرا ولا تعرض عمّن يكلّمك استخفافا ، في الكشاف أي أقبل على الناس بوجهك تواضعا ولا تولّهم شقّ وجهك وصفحته كما يفعل المتكبّرون ، في مجمع البيان قيل : هو أن يكون بينك وبين الإنسان شيئا ، فإذا لقيته أعرضت عنه (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) بطرا وخيلاء أي لا تمرح مرحا أو يكون مرحا حالا ، فالمصدر بمعنى الفاعل ويجوز أن يكون مفعولا له أي لأجل المرح والأشر ، كما يمشي كثير من الناس كذلك لا لكفاية مهمّ دينيّ أو دنيويّ ، ونحو قوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٤) (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي
__________________
(١) بل سيجيء في كتاب المكاسب.
(٢) الأحقاف : ١٥.
(٣) لقمان ١٨.
(٤) الأنفال : ٤٧.