بالشقاوة في حال وجوده لقبوله صورة الشقاوة ، وكذا السعيد.
فحينئذ تتعدّد المهيّة بالسعادة والشقاوة ، وتختلف بالوجود ، فإنّ الوجود عين المهيّة مقارن لها ألا ترى أنّ الشمس إذا طلعت يقع منها الشعاع من غير تراخ ، بل حصوله مقارن لطلوعها. والاختلاف حاصل بذاته ومع ماهيّته ، فالوجود كالشمس ، وماهيّة العباد كالشعاع ، فالوصفان مقارنان للوجود ، عارضان للمهيّة ، والله تعالى مخترع للمعروض خاصّة وليس مؤثّرا في الاتّصاف ، أي اتّصاف المهيّة الموجودة بالسعادة والشقاوة ، فهما غير مستندتين إلى الحقّ حتّى يلزم الجبر والظلم.
ولا يخفى أنّ ذلك ينافي ما ورد من أنّ الله خلق السعادة والشقاوة قبل أن يخلق خلقه ، فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا ... إلى آخره.
وفي ذلك المقام مباحث كثيرة يطول بذكرها الرسالة.
قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً).
أقول : لمّا أخبر تعالى بما أنعم على الإنسان من الأسباب الموصلة له إلى مقام الكمال من القوى وغيرها ، وبأنّه إن صرف قواه فيما خلق لأجله فهو شاكر ، وإن صرفها فيما لم يخلق لأجله فهو كافر ، بيّن ما يترتّب على الشكر من القرب ، وعلى الكفر من البعد ، وابتدأ بالثاني إظهارا لسطوته وقهّاريّته ، فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا) أي : هيّأنا لمن قدم إلينا بالكفران معرضا عن مقام الإيمان بقضيّة استعداد مهيّته أسبابا توصله إلى نيران البعد ، وجحيم الحجاب.
ولعلّ المراد بـ «السلاسل والأغلال» هي الشؤونات الّتي تمنع العبد عن الدخول في حرم قرب الله ، وتحجبه عن الفوز بمشاهدة أنوار وجه الله ،