فإنّها حاجبة بين العبد والربّ بعد الفوز بمقام الوصال ، وليس العبد حينئذ مأمورا بها لمكان الغاية في قوله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١).
وما حكاه «العلّامة الحلّيّ» رحمه الله في «النهج» عن بعض الصوفيّة مشهور ، والكلمة الّتي قرّروها في كتبهم وأشعارهم من أنّه «إذا جاءت الحقيقة بطلت الشريعة» مشهورة.
وكذا ما قالوه من أنّه لا تكليف لأولياء الله ، وغير ذلك من الترّهات الّتي تضحك منها الثكلى ، وتلك الكلمات متفرّعة على ما أسّسوه من أنّ العبد المرتاض إذا فنى عن نفسه يتّصل بالحقّ بحيث لا فرق بينه وبينه ؛ فيصير إلها محيطا بكلّ شيء ، فلا معنى للعبادة في حقّه ، بل يجب على غيره عبادته ؛ كما قيل :
در آن حين كه من حقّ مطلق شوم |
|
نماند دوئى جملگى حقّ شوم |
بود علم من علم بى منتها |
|
به لاهوت وناسوت وأرض وسما |
بود علم من علم حقّ قديم |
|
نباشد به جز من خداى كريم |
وبعضهم لقد أوّلوا مقالهم هذا بأنّ مرادهم بأنّه لا تكليف لأولياء الله ليس ما ذكر من سقوط التكليف ، بل المراد أنّه لا مشقّة فيه لهم كما تكون لغيرهم ، فإنّهم يلتذّون بالعبادات فكيف يكون ذلك لهم مشقّة ؛ كما قال : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) (٢).
ولا بأس بذلك التأويل ؛ حيث إنّ «نجم الدين» الّذي كان منهم قال في
__________________
(١) الحجر : ٩٩.
(٢) البقرة : ٤٥.