ثمّ كيف ركّب
منها هذه الأعضاء الظاهرة ، فدوّر الرأس ، وشقّ في جانبيه السمع ، وفي مقدّمه
البصر والأنف والفم ، وشقّ في البدن سائر المنافذ ، ثمّ مدّ اليدين والرجل ، وقسّم
رؤوسها بالأصابع.
ثمّ انظر كيف
ركّب الأعضاء الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطحال والرية والمثانة.
ثمّ انظر إلى
العظام مع قوّتها وشدّتها ؛ كيف خلقها من نطفة سخيفة ، وجعلها عمادا للبدن ،
وقواما له ، وقدّرها بمقادير وأشكال مختلفة ، فمنها صغير وكبير ، وطويل وقصير ،
ومستدير ومجوّف ، ومصمّت وعريض ودقيق ، ولم يجعلها عظما واحدا لكون الإنسان محتاجا
إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه.
أقول : ما ذكره
أقلّ قليل ممّا خلق الله تعالى في الإنسان ، وممّا أظهر به حكمته وكمال قدرته فيه
، كيف ومن الواضح على المستضيء بنور الحقّ أنّه لو اجتمع حكماء الدهر ومعهم
الأنبياء الصافون ، وأرادوا أن يستقصوا ما جعله الله في الإنسان من الأجزاء
والمصالح المترتبّة عليها ، والمنافع الملحوظة فيها ، ومراتب استعداداته للحقائق
والدقائق ، ومعارجه إلى عوالم التجريد ، واستنارته لمعالم التوحيد ، ما قدروا على
إدراك أزيد ممّا ألهمهم الله وعلّمهم.
كيف وقد جعل
الله الإنسان الكامل خليفته في الأرض ، وأنموذجا لجميع ما خلقه في عوالم الملكوت
والناسوت وغيرها.
كيف وهو صورة
الحقّ وروح العالم ، وفيه جميع ما في العالم الكبير ممّا