وارتفع الصلاح عن العالم ، ولبقي كلّهم على طبيعة واحدة ، على حالة واحدة ، في مرتبة واحدة لا تتمشّى أمورهم ، ولا تتهيّأ مصالحهم ، ولبقيت المراتب الباقية في كتم العدم مع إمكان وجودها. وهذا جور عليها ، وبقي الاحتياج إليها في العامّ مع عدمها.
كما لو كان البصل زعفرانا ولم يوجد البصل لحرمت الناس من منافعه.
وكما لا يختلج في قلبك أنّه لم لم يكن البصل زعفرانا ، والكلب أسدا ، والعين جملا ، والجماد حيوانا ، والحيوان إنسانا ، والثدي عينا ، والوهم عقلا ، فكذلك لا ينبغي أن يختلج أنّه لم لم يكن الفقير سلطانا ، والشقيّ سعيدا ، والجاهل الشرير عالما نحريرا.
كيف ولو لا ذلك لاختلّ النظام ، فلم يكن ذلك عدلا ، بل كان جورا وظلما ، فالعدل هو تسوية الموادّ والأشباح بحسب الصور والأرواح ، فمن أساء في علمه وأخطأ في اعتقاده ، فإنّما ظلم نفسه ، بظلمة جوهره ، وقصور استعداده.
وهكذا ، فكما لا يعترض على أقبح الناس أنّه لم لا يكون مثل يوسف عليه السلام في الحسن ، كذلك لا يعترض على شرّ الناس بأنّه لم لا يكون محمّدا في سريرته وطريقته ، فإنّ اختلاف الغرائز والشمائل كاختلاف الأشكال والطبائع. انتهى.
أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره غير ناهض لدفع الشبهة المشهورة ، لأنّ حاصله يرجع إلى ما ذكره بعض الحكماء ؛ من أنّ ذلك الاختلاف والترتيب إنّما هو من قضيّة النظم كنظم المعمار البيت بما يراه حسنا ، وذلك لا يرفع السؤال ، بل هو باق على حاله.