في الحقّ ، وبذل الكلّيّة في الله.
الثاني : التذكّر للطائف صنع الله ، ومحاسن خلقه ، وهو عبارة عن العلم بحقائق الأشياء وخواصّها وأوصافها ، وذلك يهذّب الأخلاق ، ويسدّد الأعمال ، ويقوّي العبد على طاعة الله ، ويهديه إلى حقائق حكمة الله ، ويرشده إلى لطائف تجلّيات نور الله.
وذلك العلم لا يحصل إلّا بالنظر فيما يتوقّف عليه وجوده من الأسباب ، وأنّ الله أوجده عن عدم ، وخلقه ولم يك شيئا ، وصوّره في أحسن الصور ، وجعل له سمعا يسمع به كلمات الله ، وبصرا يرى به آيات قدرة الله ، ويشاهد به أنوار وجه الله ، وجوارح بها يقدر على أداء طاعة الله ، وربّاه بأحاسن التربية ، وأنعم عليه نعما ظاهرة وباطنة ، فيفتح عليه أبواب لطائف الصنعة في خلقه ، ويرى عجائب الحكم في تركيب خلقته من العظام والعروق ، وغير ذلك ؛ على ما وقف عليه أصحاب التشريح ، فيجد فيها إشارات لطيفة تدعوه إلى وجوب شكر المنعم وطاعته ؛ على وفق ما أمر به ، وإجابة داعيه ، والإقامة بحقّ عبوديّته مخلصا له الدين ، فإذا فاز العبد بذلك المقام جعل الله في قلبه نور الفرق بين الحقّ والباطل ؛ كما قال : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (١).
الثالث : التذكّر لمعاني الأعمال والأحوال ، وهو يرشد العبد إلى أنّها منن من الله ، فإنّ الدواعي الباعثة عليها ، واختيارها على الوجه الّذي ينبغي ؛ إمّا من عند الله ، أو من عنده ، فإن كان الأوّل ثبت المطلوب ، وإن كان الثاني فحصول الداعية والاختيار ؛ إمّا باختياره ، أو باختيار الحقّ ، فإمّا أن يتسلسل ، أو ينتهي
__________________
(١) الأنفال : ٢٩.