وعهدنا إليهم أن لا يعبدوا إلّا الله الواحد القيّوم ، ولا يسلكوا غير مسلك الإيمان بمحمّد وآله المعصومين ، والإقرار بمقاماتهم الّتي أقامهم الله فيها ، وفضّلهم على كلّ ذرّات الممكنات بها ، وأن لا يجاوزوا عن حدود رتبتهم بأن يدّعوا لأنفسهم ما لم يقرّر لها في أوّل الأمر من النبوّة ، والولاية المطلقة ، والمحبّة المتعالية ، فإنّها خاصّة بمحمّد صلّى الله عليه وآله ومن يقوم مقامه.
ففي الآية إشعار لطيف بأنّ هؤلاء الطاغين عن أحكام الله ورسوله لقد نقضوا ما عاهدوه ، ونكثوا ما واثقوه في العالم السابق ؛ حيث سلكوا مسلكا لم يؤمروا بسلوكه ، واتّخذوا سبيلا ما فازوا به إلى معارج الحقّ ، ومدارج الصدق.
وأمّا المؤمنون ، فقد وفوا بما عاهدوا الله ؛ حيث سلكوا مسالك التوحيد ، ولبسوا خلع التجريد ، فاستضاءوا بالأنوار المتلئلئات ، واستكشفوا الأسرار المخبيّات عن المراتب الشعشعانيّات ، وإن ذلك إلّا لما أجابوا الحقّ في ندائه للمكنات ؛ حيث قال : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).
أي بالمواثيق الّتي أخذنا عليكم في أوّل الأمر من الإقرار بمقام الأبرار ، والإعراض عن مسلك الأشرار.
وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ... (٢) إلى آخره. أي يا أيّها الّذين أقرّوا بما يجب الإقرار به في أوّل الأمر أقرّوا الآن في ذلك العالم ، وهذا المشهد بما أقررتم به سابقا.
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) النساء : ١٣٦.