كان رجاء الغلبة على العدوّ أقوى ، فإنّ بالأسلحة تكسر صولته ، فربّما ينقاد للغالب ويرجع إلى طاعته وأمره لزوال ما يقتضي طغيانه وجرأته على المعاداة ، فالنفس هي العدوّ المبين الّذي أخبر الله عنه ، وأمرنا بالحذر منه ؛ كما قال : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) (١).
وقال : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢).
وأيّ شيطان أخبث من النفس ، وأيّ عدوّ أعدى منها ، كيف وهي الّتي تحمل العبد على أن يسلك غير مسلك مولاه ، وتضلّه عن سبل صلاحه وهداه.
فينبغي على العاقل الحذر من شهواتها ، والتجنّب عن هواها ، ليغلب العقل اللامع الملكوتيّ عليها وعلى جنودها ، فيلوح شعشعان أنوار العرفان عن سماء قلبه ، وتطلع شموس الإيقان عن جهة فؤاده ، ويلتذّ بمقام العرفان الاستكشافيّ ، ويستغني به عن العرفان الاستدلاليّ ، فيجد لذّة الطاعات لله تعالى لزوال ما يمنع عن ذلك الوجدان بمغلوبية النفس وكسر شهواتها.
وهذا ـ أي كون أصعبيّة العمل أكثر تأثيرا من قمع النفس والغلبة عليها والرغبة في الطاعات والعبادات ، وتصفية القلب عن الشائبات ـ هو السرّ في أفضليّة العبادة في الليل ، وتواتر الأخبار في سهر الليالي ، فإنّ النفس في الليل مائلة إلى الاستراحة واستقرار الأعضاء للراحة ، فإذا منعتها عن قضاء شهوتها
__________________
(١) فاطر : ٦.
(٢) يس : ٦٠.