بحقيقته ، ويعرفه بهويّته ، فإنّ ذلك كفر محض كما قرّرناه في محلّه.
والحاصل : إنّ نهاية سير السالكين هو الوصول إلى نوارنيّة ما فيهم من المشيّة الإلهيّة ، فإذا وصلوا إلى ذلك المقام لا يبقى فرق بينهم وبين المشيّة أصلا ، فيستغنون عن العقل الجزئيّ بالعقل الكلّيّ في ذلك المقام ؛ كما قال عليه السلام لكميل : أطفئ السراج فقد طلع الصباح. أي استغن عن ذكر العقل الجزئيّ بما لاح لك من حقيقة العقل كلّيّ ؛ وهو نور المشيّة ، فإنّ نسبة الجزئيّ إلى الكلّيّ كنسبة نور السراج إلى نور الصباح ، ونسبة القطرة إلى اليمّ المحيط ، فمتى لم يتحقّق لك الاستغناء عن ظهورك الجزئيّ لا يتحقّق لك مقام الفوز بصرف الظهور الكلّيّ.
از هستى خويش تا تو غافل نشوى |
|
هرگز به مراد خويش واصل نشوى |
از بحر ظهور تا به ساحل نشوى |
|
در مذهب اهل عشق كامل نشوى |
ومن ذلك التقرير يظهر ما قيل من أنّ في كلّ شيء معنى كلّ شيء ، أي لا يخلو شيء عن حقيقة المشيّة تظهر له بعد رفع الحجابات الموهومة ؛ كما قال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١) والوصول إلى ذلك المقام أي مقام نورانيّة المشيّة هو معراج كلّ شيء ، كلّ بحسب استعداد هويّته ؛ إذ المعراج هو محلّ العروج والارتقاء ، وليس محلّ عروج الأشياء حقيقة إلّا مقام الفوز بقرب المشيّة ، والاتّصال بطمطام يمّ نورانيّتها الساذجيّة ، وذلك غير متحقّق إلّا بعد الإعراض عن المقام الأدنى ، وهو الوجود الجزئيّ الموهوميّ الّذي
__________________
(١) الذاريات : ٢١.