__________________
فيصلّي عندها ، ويقول : بوركت من نخلة ، لك خلقت ، ولي نبتِ. فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليهالسلام حتّى قُطعت ، (فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ، ويبصره) ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري. فلا يُعلم عمرو ما يريد ، فيقول له : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود ، أم دار ابن حكيم؟ قال : وحجّ في السنة التي قُتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة رضياللهعنها ، فقالت له : مَنْ أنت؟ قال : عراقي. فاستنسبته ، فذكر لها أنّه مولى علي بن أبى طالب ، فقالت : أنت هيثم؟ قال : بل أنا ميثم. فقالت : سبحان الله! والله لربّما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يوصي بك علياً في جوف الليل. فسألها عن الحسين بن علي ، فقالت : هو في حائط له. قال : أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه ، واُريد الرجوع. فدعت بطيب فطيّبت لحيته ، فقال لها : أما إنّها ستخضب بدم. فقالت : مَنْ أنباك هذا؟ قال : أنبأني سيّدي. فبكت اُمّ سلمة وقالت له : إنّه ليس بسيّدك وحدك ، هو سيّدي وسيّد المسلمين. ثمّ ودّعته ، فقدم الكوفة ، فأُخذ وأُدخل على عبيد الله بن زياد ، وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب. قال : ويحكم! هذا الأعجمي؟! قالوا : نعم. فقال له عبيد الله : أين ربّك؟ قال : بالمرصاد. قال : قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال : قد كان بعض ذلك ، فما تريد؟ قال : وإنّه ليُقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك. قال : نعم ، إنّه أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة ، وأنا أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهّرة. قال : لاُخالفنّه. قال : ويحك! كيف تخالفه ، إنّما أخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأخبر رسول الله عن جبرائيل ، وأخبر جبرائيل عن الله ، فكيف تخالف هؤلاء؟! أما والله ، لقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه أين هو من الكوفة ، وإنّي لأوّل خلق الله أُلجم في الإسلام بلجام كما يُلجم الخيل. فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليهالسلام ، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخدّيه فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد يأمره بتخلية سبيله ، وذاك أنّ أخته كانت تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب ، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع ، فأمضى شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد ، فوافى البريد وقد أُخرج ليُضرب عنقه فأُطلق. وأمّا ميثم فأُخرج بعده ليُصلب ، وقال عبيد الله : لأمضينّ حكم أبي تراب فيه. فلقيه رجل فقال له : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسّم وقال : لها خُلقت ، ولي غذيت. فلمّا رُفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث ، فقال عمرو : لقد كان يقول لي : إنّي مجاورك. فكان يأمر جاريته كلّ عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه ، وتجمر بالمجمر تحته ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ومخازي بني اُميّة ، وهو مصلوب على الخشبة ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد. فقال : ألجموه. فأُلجم ، فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام ، فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً ، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعن بحربة فمات. وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليهالسلام العراق بعشرة أيام.